تطل علينا الذكرى الـ88 ليومنا الوطني الأغر، حيث نحتفل وطناً ومواطنين بواحدة من أعظم ملاحم تاريخنا المعاصر، والتي اعترف كثير من المؤرخين المنصفين بأن تجربتها المميزة تستحق أن تكون من أفضل نماذج ومحطات تأسيس الدول في القرن العشرين المنصرم. هذه التجربة الملهمة، التي قادها عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، ونفر قليل من رفاقه، استطاعوا من خلالها، تأكيد الإرادة الهائلة عبر معادلة الرغبة والقدرة، متجاوزين بذلك قسوة الجغرافيا، وقلة العتاد، مؤمنين فقط بأن صناعة التاريخ تبدأ بـ»حلم» بسيط، وليس وهماً أو نزوة. لذا، فإن درس التجربة وثمرتها الطيبة، هي ما نجنيه نحن الآن، بعد 88 عاماً من أسطورة التوحيد وملحمتها الخالدة، العبرة فيها ليس بمجرد بضع كلمات احتفالية، أو شعارات تهنئة، ولكن عبر غرس مفهوم الوطنية والانتماء للأرض، ومن ثمّ الولاء والتكاتف مع القيادة بكل مسؤولياتها وتدرجاتها. التجربة السعودية الحديثة، بمراحل توهجها وانصهارها ورسوخ تجذرها تاريخياً، أصبحت المعيار المهم جداً في معادلة نشوء الدول، وثباتها واستمرارها وقوتها؛ لأنها صهرت كل التناقضات واستلهمتها إيجابياً لتصنع المعجزة الشاهدة على الأحداث، وبالتالي تضعنا كمواطنين في موقع المسؤولية الكبيرة للحفاظ على الكيان والتمسك بالهدف، والتضحية من أجلهما. ولعل ما نواجهه اليوم، من تحديات مختلفة، وعلى جبهات عدة - ومنها الحد الجنوبي مثلاً - تكشف أسمى معاني التضحية والفداء، فالتضحية التي جعل منها الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - عنواناً عريضاً للتأسيس، هي ذاتها التي يؤكدها عملياً اليوم أبناؤنا وأشقاؤنا بدفاعهم عن وحدة الوطن وسيادة ترابه وأمن واستقرار شعبه. فكرة التضحية السامية، هي تلك التي وضعتنا على مستوى المسؤولية بمواجهة تحديات أخرى، سياسية واقتصادية ومعنوية في إقليم مضطرب، نجح فيه المواطن السعودي بمختلف مسؤولياته شعبياً وإدارياً وقيادياً في الصمود وإثبات الذات، وتقديم استراتيجيات مستقبلية تؤسس للأفضل، وتصنع من ابن الوطن وابنته ترساً في ماكينة التنمية والنهوض، بمثل ما هما أيضاً درع يصون ويذود ويحمي. هنا القيمة التي نحصد من خلالها ما جسده الأجداد والآباء قبل قرابة قرنٍ من الزمان، ومن هنا أيضاً، وعلى هذه الأرض، نجسّد نحنُ ما نتركه للأبناء والأحفاد.. راية خفاقة وعالية، وأجيال تتعاقب خلف الراية تسلمها لمن يليها مرفوعة وعزيزة وخالدة. كل عام ووطننا وشعبنا وقيادتنا بألف خير.
مشاركة :