بروكسل – أكد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الثلاثاء، أن القادة الأوروبيين يعتزمون عقد قمة استثنائية في نوفمبر المقبل، لإنهاء مفاوضات بريكست الصعبة التي دخلت في مرحلتها النهائية، وتجنّب “كارثة” خروج بريطانيا من الاتحاد من دون اتفاق. وقال رئيس المجلس الأوروبي، الهيئة التي تجمع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في رسالة الدعوة التي وجهها لقادة الاتحاد إنه يريد استعراض “التقدم في هذه المفاوضات” خلال قمة غير رسمية تُعقد اعتبارا من مساء الأربعاء في سالزبورغ بالنمسا. وكان من المفترض أن يتوصل المفاوضون إلى اتفاق خلال قمة 18 أكتوبر القادم في بروكسل حول شروط الانسحاب البريطاني من الاتحاد المرتقب في نهاية مارس 2019 وقواعد علاقتهما المستقبلية، إلا أن هذا الجدول يبدو غير مستدام لتجاوز العقبات الأخيرة المتبقية. وستعرض رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تواجه احتجاجات مستمرة في المملكة المتحدة، باقتضاب رؤيتها للمفاوضات أثناء عشاء الأربعاء في المدينة النمساوية، وفي اليوم التالي، ستنهي الدول الـ27 بعدها استراتيجيتها لأسابيع المفاوضات الأخيرة، من دون ماي. وتنص “خطة تشيكيرز” التي تقترحها ماي على الإبقاء على علاقة تجارية وثيقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد الانفصال المقرر في 29 مارس 2019، وخصوصا إقامة منطقة تبادل حرّ للمنتجات الصناعية والزراعية مع إنهاء حرية تنقل المواطنين الأوروبيين ورقابة محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. وأوضح توسك أن من المفترض أن تتوصل الدول الـ27 إلى “رؤية مشتركة” لعلاقتها المستقبلية مع لندن ومناقشة “كيفية تنظيم المرحلة النهائية من محادثات بريكست، بما في ذلك احتمال الدعوة إلى جلسة أخرى للمجلس الأوروبي في نوفمبر القادم”. وحذر من أنه “للأسف، سيناريو غياب الاتفاق لا يزال وارداً، لكننا نتصرف بمسؤولية، يمكننا تجنب الكارثة”. وتوصلت لندن وبروكسل حتى الآن إلى تسويات حول غالبية المسائل المتعلقة بانسحاب الأولى من الاتحاد، خصوصا حول النظام المالي وحقوق المواطنين المغتربين بعد بريكست، لكن لا تزالان تصطدمان في بعض النقاط، لا سيما في مسألة مصير الحدود الأيرلندية، حيث يخشى الجميع فرضية خروج بريطانيا من الاتحاد من دون اتفاق، خصوصا الأوساط الاقتصادية. ويتفق الطرفان على تفادي إقامة حدود فعلية بين مقاطعة أيرلندا الشمالية البريطانية وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي. دونالد توسك: بريكست دون اتفاق مازال واردا، لكن تعاملنا بمسؤولية، يجنبنا كارثة دونالد توسك: بريكست دون اتفاق مازال واردا، لكن تعاملنا بمسؤولية، يجنبنا كارثة وتطلب الدول الـ27 أن يكون مقررا بقاء أيرلندا الشمالية لمدة غير محددة ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي في حال غياب حل آخر، فيما يردّ البريطانيون بالقول إن ذلك من شأنه إقامة حدود غير مقبولة بين أيرلندا الشمالية وسائر أراضي المملكة المتحدة. وذكرت صحيفة التايمز أن كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه يعمل على طرح مسودة لأنظمة جديدة تفصل كيفية استخدام التكنولوجيا لتقليل عمليات التفتيش على الحدود إلى الحدّ الأدنى. وأضافت الصحيفة أن الخطة التي طرحها الاتحاد الأوروبي تنص على أن السلع يمكن تعقبها باستخدام أكواد على حاويات الشحن تندرج تحت برامج “للتجار الموثوق بهم” تديرها شركات مسجلة. وذكرت رويترز أن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي يعملون على اتفاق تمهيدي أيرلندي حساس لوضع مسودة لمعاهدة الخروج من التكتل مع بريطانيا في إطار ما وصفه بارنييه بأنه جهد للتخلص من المبالغات بشأن الأمر والتوصل إلى اتفاق. وتقول التايمز إن تلك المقترحات ستوزع على الحكومات الأوروبية بعد مؤتمر حزب المحافظين الذي يبدأ في بريطانيا في 30 سبتمبر الجاري. وقالت ماي الاثنين “أعتقد أننا سنحصل على اتفاق جيد” مع بروكسل، مخاطبة حزبها المحافظ المنقسم إن في حال لم تحصل خطتها على الدعم في الداخل، “أعتقد أن البديل عن ذلك سيكون غياب الاتفاق”. وتدعو ماي خصوصا إلى الحفاظ على العلاقة التجارية الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي بفضل إقامة منطقة تبادل حرّ للسلع، لكن الاتحاد الأوروبي ليس مستعداً لـ”عدم تجزئة” حريات السوق الموحدة التي تشمل حرية تنقل المواطنين الأوروبيين. ورأى صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي عن المملكة المتحدة الاثنين، أن بريكست من دون اتفاق ستكون له “كلفة كبيرة” على الاقتصاد البريطاني، مؤكدا أن تفاهما بين بريطانيا والمفوضية الأوروبية حول العلاقات المقبلة بينهما “أساسي” لهذا السبب. وحذر الصندوق في تقريره “بينما بلغت المفاوضات حول بريكست مراحلها الأخيرة، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد في ظروف مضطربة يمكن أن يؤدي إلى نتيجة أسوأ بكثير”. وصرحت المديرة العامة للصندوق كريستين لاغارد في مؤتمر صحافي في لندن “نشجع بريطانيا والاتحاد الأوروبي في وقت واحد على العمل بجد لتجنب طلاق قاس”. وسيناريو كهذا سيؤدي، على حد قول لاغارد، إلى انخفاض النمو وسيشكل عبئا على المالية العامة ويسبب تراجعا في قيمة العملة. وتابعت أن “ضيق الوقت المتبقي للتوصل إلى اتفاق يطرح إشكالية كبيرة”، إلا أنها عبرت عن “تفاؤلها” بشأن إبرام اتفاق. ونشرت الحكومة البريطانية سلسلة ملاحظات تقنية تحلل مخاطر حصول مثل هذا السيناريو، مذكرة خصوصا باحتمال إنهاء صلاحية تراخيص القيادة البريطانية في الاتحاد الأوروبي ورفع الرسوم المصرفية. ومن الجانب الأوروبي، ستدعو المفوضية في يوليو دول الاتحاد الأوروبي إلى “تكثيف” تحضيراتها لكل السيناريوهات، بما فيها سيناريو “الانسحاب المفاجئ”. ودعت خصوصاً إلى التحضير لإجراءات مراقبة على حدود الاتحاد الأوروبي، لتداعيات التبادلات التجارية أو حتى لتأثيرات الاعتراف بالمؤهلات المهنية لكلا الجانبين. وتصاعدت الضغوط على بريكست مع تنامي الأصوات الداعية إلى استفتاء ثان بشأنه وتراجع المواقف الداعمة للانفصال، بعد أن تعرضت خطة ماي للانتقاد من قبل أعضائها قبل خصومها، فيما تشكلت لدى البريطانيين رؤية أكثر وضوحا لتكلفة الانسحاب الباهظة، الأمر الذي يثير سيناريوهات واحتمالات عديدة قد تصل إلى درجة التراجع عن بريكست وهو ما لم تستبعده رئيسة الوزراء.
مشاركة :