تعمق التطورات الأخيرة التي تشهدها ليبيا قبيل أيام من انتهاء الفترة الزمنية المحددة لخطة الأمم المتحدة، الغموض بشأنها خاصة وأن المبعوث الأممي غسان سلامة لم ينجح في تنفيذ أي جزء من هذه الخطة عدا عقد المؤتمر الوطني الجامع الذي لم يحقق بعد المصالحة المنشودة. وتشهد العاصمة طرابلس توترا أمنيا منذ نهاية أغسطس الماضي بسبب الاشتباكات بين الميليشيات، لم تنجح الهدنة التي رعتها بعثة الأمم المتحدة في وضع حد لها رغم التلويح بفرض عقوبات دولية على الميليشيات المخترقة للاتفاق. وعلى ضوء هذا التوتر قرر نواب المنطقة الغربية بالاتفاق مع مجلس الدولة (جسم استشاري يتكون من نواب المؤتمر الوطني السابق المؤيدين لاتفاق الصخيرات) إحياء المفاوضات بشأن إعادة تشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين. وكان غسان سلامة أعلن طي صفحة المفاوضات بين البرلمان ومجلس الدولة في هذا الشأن بعدما وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض كلا الطرفين التنازل. وتعد تلك المفاوضات جزءا من خطة سلامة التي أعلن عنها في 21 سبتمبر العام الماضي. وتقوم الخطة المقترحة على خمس مراحل، تبدأ بتعديل اتفاق الصخيرات وعقد مؤتمر وطني بمشاركة الأطراف السياسية والاجتماعية، ومن ثم حث هيئة صياغة الدستور لمراجعته وتنقيحه، قبل مطالبة مجلس النواب بالدعوة لاستفتاء دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية 2018. وقال غسان سلامة الثلاثاء، إنه سيطلب من مجلس الأمن إجراء تعديلات على خطة العمل الخاصة بإنهاء النزاع الليبي. ولم يحدد سلامة، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “218 نيوز” الليبية (خاصة)، طبيعة هذه التعديلات. وأضاف “سأتحدث بوضوح في إحاطتي المقبلة لمجلس الأمن، خاصة مع تطورات المشهد في ليبيا والعراقيل التي واجهتنا والأجسام (مؤسسات) التي لم تقم بدورها”.ومضى قائلا “أنا لست مغرما باتفاق الصخيرات (للسلام عام 2015)، ولكن لا أريدُ حالة فراغ في ليبيا”. وأثارت تصريحات سلامة التساؤلات وما إذا كانت تلميحا لتأجيل الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر المقبل وفقا لاتفاق باريس. لكن المرشح للانتخابات الرئاسية عارف النايض اعتبر أن التعديلات التي سيطلبها سلامة من مجلس الأمن تصب في اتجاه إجراء الانتخابات في ظل تأخر البرلمان في إصدار الاستحقاقات التشريعية اللازمة لإجرائها. وقال لـ”العرب” “بالعكس، أتصور أن تغيير الخطة قد يعني فقط استصدار قانون الانتخابات من القضاء الليبي أو من مجلس الأمن تحت البند السابع، وليس تأجيل الانتخابات”. وأضاف “منذ بدايته وحتى آخر مقابلة معه يصر سلامة على وجود خطة واحدة فقط وهي خطة الأمم المتحدة التي تهدف لإجراء الانتخابات قبل نهاية 2018”. وتداولت وسائل إعلام عربية ومحلية الأيام الماضية تقارير تفيد بوجود خطة أميركية جديدة لإدارة الأزمة في ليبيا. وتتمثل الخطة في عقد مؤتمر وطني يطالب بسحب الاعتراف من كل الأجسام السياسية، وعرقلة إجراء انتخابات رئاسية في ظل الظروف الراهنة، وإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر، والتعاون مع مخابرات إحدى الدول العربية لاستيعاب قادة الميليشيات المسلحة الأربعة المسيطرين على طرابلس، وتحجيم دور مجلس النواب الليبي في طبرق، وعرقلة أي تحرك لإصدار تشريع يمكن أن يؤثر على هذه الخطة. تعديل الخطة قد يعني فقط استصدار قانون الانتخابات من القضاء الليبي أو من مجلس الأمن تحت البند السابع ولا يستبعد بعض المراقبين أن يتم فرض هذه الخطة خلال المؤتمر الذي تعتزم روما تنظيمه نوفمبر المقبل، خاصة في ظل تواصل تصريحاتها المناهضة لمخرجات اتفاق باريس.وكانت روما حظيت بدعم الولايات المتحدة لتنظيم المؤتمر وسط حديث عن دور أميركي متصاعد في ليبيا عكسه تعيين القائمة بالأعمال الأميركية في ليبيا ستيفاني ويليامز نائبة لغسان سلامة. ويثير مؤتمر روما مخاوف التيار الداعم لإجراء الانتخابات في ليبيا هذا العام ومن بينه عارف النايض الذي يجري زيارة لإيطاليا لإقناع مسؤوليها بالانتخابات ولمواصلة الوساطة بين روما والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر. ويتسلح النايض خلال هذه الزيارة بعلاقته القوية مع البابا فرانسيس بابا الفاتيكان. وشارك الثلاثاء في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دولي تنظِّمُه الهيئات المتخصصة فى الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي بجنيف. وقال النايض “أحاول أن نخرج من النمط السابق للسياسة الإيطالية إزاء ليبيا وهناك فرصة مع الحكومة الجديدة والتغييرات في الخارجية الإيطالية والداخلية والمخابرات”. وأضاف “أسعى لكي يكون مؤتمر روما استمرارا لمقررات مؤتمر باريس”. وكانت وسائل إعلام إيطالية تحدثت عن إقالات داخل جهاز المخابرات وربطتها بالتطورات الأخيرة في ليبيا. كما تحدثت تقارير إعلامية عن غياب السفير الإيطالي في طرابلس جوزيبي بيروني مرجحة أن يكون قد تم استبعاده بعد تصريحات غير دبلوماسية هدد فيها بعرقلة الانتخابات. ورجح بعض المتابعين أن يكون استبعاد بيروني أو إبعاده مؤقتا عن المشهد يأتي في ظل محاولات إيطالية للانفتاح عن شرق ليبيا خاصة وأن خليفة حفتر (يسيطر على المنطقة الشرقية) كان قد صرح بأن بيروني شخص غير مرحب به. ويجبر التوتر الأمني الذي تشهده العاصمة طرابلس روما على مراجعة دعمها للمجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج الذي يبدو أنه فقد السيطرة تماما على الوضع مع فقدان الميليشيات الداعمة له لزمام الأمور في طرابلس، على حساب اللواء السابع المدعوم بقوة من قبل القبائل. وأكد النايض أنه يبذل جهودا منذ فترة لتحسين العلاقة بين حفتر وإيطاليا رافضا تقديم المزيد من التفاصيل. واتسمت العلاقة بين حفتر وروما بالتوتر طيلة السنوات الماضية، حيث فضلت الأخيرة دعم الميليشيات المسيطرة غرب البلاد على حساب الجيش. ونقل موقع بوابة الوسط الثلاثاء عن صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية تصريحات لعنصر في المخابرات الإيطالية قال “إن المدينة يمكن أن تسقط في قبضة الجيش، في غياب تدخل خارجي، وإن المشكلة الآن بالنسبة لإيطاليا هي أن حفتر يعتبرنا أعداء حتى وإن سارت الأمور على نحو جيد ومع عملاء مزدوجين”. وأضاف “وقد حقق وزير الخارجية مافيرو ميلانيسي رغبته في الذهاب إليه وإعادة العلاقات معه، لكنني أخشى أن الوقت قد نفد”.
مشاركة :