في تدوينة لأحد الأصدقاء، أورد محفوظة تدرَّس للأطفال مستوحاة من خرافة شعبية تونسية عن عجوز تدعى “أمي سيسي”، بَترت ذنَب قطّ لأنه سرق سمكا طبخته لابنتها، وعلّق قائلا “عندما يعلّمون أجيالا نصوصَ قراءةٍ كهذا النص، فلا تنتظروا من تلك الأجيال أن تكون سوية”. والحق أن هذه الخرافة، التي صدمت صديقنا، أقل عنفا من كثير غيرها، ليس في تونس فحسب، وإنما في سائر الأمم، حتى المتحضرة منها. ولو ألقينا نظرة على خرافات الفرنسي شارل بيرّو مثلا لألفينا العنف سمتها الرئيسية، يتبدى في شكل تهديد، أو في شكل عنف جسدي، فظيع في الغالب، كما في خرافة “ذات القبعة الحمراء”؛ بل إن الموت حاضر في معظم الخرافات التي جمعها، من زوجات “اللحية الزرقاء” وأمّ “جلد الحمار” إلى الغول في “القط ذو الجزمة” والغيلان السبعة في “عقلة الإصبع”. كذلك خرافات الأخوين فيلهيلم وجاكوب غريم، خصوصا خرافة “شجرة العرعر” التي قتلت فيها امرأةٌ ربيبها وقطعت رأسه، وأوعزت لابنتها بضربه وهي لا تدري أنه ميت، فلما انفصل رأسه عن جسده، وارتعبت البنت قالت لها أمها سأعرف كيف أستر جريمتك، فقامت بتقطيع جثة الولد وطبخها، وأطعمت منها زوجها، يعني والد الهالك. فلما علمت البنت بحقيقة ما جرى، جمعت عظام أخيها ودفنتها تحت شجرة عرعر، سرعان ما طلع من أغصانها عصفور جميل كان يصدح كامل اليوم “أمي قتلتني، أبي أكلني، أختي دفنت عظامي تحت شجرة العرعر، يا لي من طائر جميل!”. ولم يكن الأخوان غريم يجهلان ما يقدّمان للناس في ذلك العصر، فقد كانا عالمي فيلولوجيا يعدّان معجمًا للغة الألمانية، ويدركان أن تلك الخرافات تسرد الحياة كما عرفتها أجيال من سكان أوروبا الوسطى، وترمي إلى غايات سوسيولوجية وتربوية. أما بيرّو، المجاز في الحقوق، فقد قضى عشرين سنة في خدمة لويس الرابع عشر، وعاين الحيل الدبلوماسية التي كانت تحاك في القصر، ومن ثَمّ أضفى نوعا من القيم على خرافاته التي قال عنها إنها شكل جديد من أشكال التربية، يحوي “حكما أخلاقية، يهتدي إليها كلٌّ حسب قدرته على ولوج عوالمها”. تماما كخرافات لافونتين من قبله، وإن جاءت في قالب شعري وعظي، وأغلب حكايات كليلة ودمنة. أي أن العنف حاضر في خرافات شتى الثقافات. وغنيّ عن القول إن قراءتنا، أو استماعنا صغارا، لتلك الخرافات لم تخلق منا جيلا غير سويّ، ولم تحول الألمان والفرنسيين إلى منحرفين. لأن العنف الذي نشهده متأتّ من عوامل أخرى.
مشاركة :