هل هناك تجربة يتمنى الجميع المرور بها أكثر من تجربة الشعور بالفرح؟ كلنا ننشد الفرح بإصرار، لأننا لا نعرفه إلا بشكل عابر، يعرفه المحب في حضرة محبوبه، واللاعب لحظة انتصاره، والمبدع أمام ما صنعت يداه، والباحث لحظة اكتشافه إحساسًا يفوق الشعور باللذة، إحساساً أكثر واقعية من السعادة، انفعالا يستولي على صاحبه ويصير - عبر أشكاله التي لا حصر لها - غايته القصوى.يشير فردريك لونوار في كتابه «قوة الفرح» الذي ترجمه إلى العربية أيمن عبدالهادي وصدر عن دار التنوير، إلى أن الفرح يحمل في ذاته قوة تهزنا، تغزونا، تجعلنا نتذوقه حتى الشبع، الفرح تأكيد على الحياة، تجلٍّ لقوتنا الحيوية، هو الوسيلة التي نتيقن عن طريقها من حقيقة وجودنا، ونتذوق عبرها هذا الوجود، ما من شيء يجعلنا نشعر بأننا أحياء مثل تجربة الفرح، لكن هل بوسعنا أن نساعد على ظهوره أو كبحه، أو غرسه في أنفسنا؟.يقول المؤلف: لكي أنطلق في مثل هذا البحث استندت بلا شك إلى الدعم المؤكد الذي تقدمه الحكمة: شرقية وغربية، في الواقع الفرح أساسي في التفكير الطاوي الصيني، كما أنه حاضر بقوة في رسالة الأناجيل، بالمقابل لم يشغل الفرح الفلاسفة كثيرا، فهم رأوا دون شك أن طابعه الذي لا يمكن توقعه، العاطفي والمجاوز للحد أحيانًا، لا يساعدهم كثيراً على تأمله، من دون أن يتأثروا فيه، ومع ذلك ثمة مفكرون وفلاسفة كبار وضعوا الفرح في قلب فكرهم، مثل سبينوزا ونيتشه وبرجسون.من خلال هؤلاء يسعى المؤلف لفهم تجربة الفرح من وجهة نظر فلسفية، لكن كيف يمكن مواصلة هذا المسعى من دون الرجوع إلى التجارب الخاصة، التي يمكن أن يمر بها الإنسان، ولذلك يستند المؤلف أيضًا إلى حكايته ومشاعره ومعتقداته الشخصية، ويحاول أن يوضح بطريقة ملموسة، أن بلوغ الفرح يتم عبر ثلاثة مسارات، فهو يظهر في المسار الأول عبر بعض الحالات والمواقف مثل الانتباه والحضور، وثقة وانفتاح القلب، والمنح بلا مقابل والحفاوة والشكر والمثابرة في الجهد والاستسلام.هناك مساران آخران - كما يوضح الكتاب - يقوداننا إلى تجربة فرح أكثر دواما، أولهما مسار الانفصال وفك الارتباط أي التحرر الداخلي الذي يسمح لنا بالتدريج بالتعرف إلى ذاتنا الحقيقية، ومسار آخر هو على العكس من ذلك، وفيه يعود الارتباط من جديد هو مسار الحب الذي سمح لنا بالتواصل مع العالم ومع الآخرين، بطريقة كاملة وصحيحة، وسنكتشف حينها أن الفرح المثالي الذي يتم الوصول إليه عبر هذين الطريقين من تحقق للذات ومن مشاطرة للعالم ليس إلا تعبيراً عميقاً ونشطاً وواعياً عن الفرح بكوننا أحياء، وهو فرح كان قد منح للجميع منذ اللحظات الأولى من وجودنا، لكننا فقدناه في الغالب بسبب ما واجهنا من صعوبات.يقول المؤلف: «ولد هذا الكتاب الذي أريد أن يكون في متناول أكبر عدد ممكن من القراء، من درس نقلته أولاً شفهيا، ثم اشتغلت بطريقة أكثر تفصيلاً على نصه الخاص، لكن بالشكل الذي يحافظ على الطبيعة الحية والعفوية لما يتم نقله شفهيًا».
مشاركة :