فتحت حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما جبهة جديدة في المعركة العالمية على الحصص في سوق النفط، بعد أن مهدت الطريق فعليا أمام تصدير ما يصل إلى مليون برميل يوميا من الخام الأمريكي الفائق الجودة إلى بقية أنحاء العالم. وبحسب "رويترز"، فقد خرجت وزارة التجارة الأمريكية أمس عن صمتها الذي استمر عاما بشأن الحظر المثير للجدل المفروض على صادرات النفط منذ أربعة عقود قائلة "إنها بدأت الموافقة على طلبات بيع الخام الخفيف المعالج في الخارج". وأصدرت الوزارة أيضا وثيقة طال انتظارها توضح بالضبط أنواع النفط التي يمكن للمصدرين الآخرين شحنها، وهذه هي أول مساع جادة من الحكومة لتوضيح مسألة أثارت حالة من الارتباك والقلق في أسواق الطاقة على مدى أكثر من عام ومن المرجح أن تسر شركات التنقيب عن النفط المحلية والشركاء التجاريين الأجانب وبعض الجمهوريين الذين كانوا قد حثوا أوباما على تخفيف حظر الصادرات، الذي يعتبرونه إرثا عفا عليه الزمن خلفه حظر النفط العربي الذي فرض في السبعينيات. وتمت صياغة الإجراءات الجديدة بلغة متخصصة تنظيمية ووصفها البعض بأنها إيضاح أساسي للقواعد الحالية لكن بعض المحللين قالوا "إن الرسالة واضحة ومفادها إعطاء الضوء الأخضر لأي شركة لديها الرغبة والقدرة على معالجة خامها المكثف الخفيف عبر أبراج التقطير التي تمثل إحدى المعدات البسيطة في حقول النفط". وقال إد مورس الرئيس العالمي لبحوث السلع الأولية لدى "سيتي جروب" في نيويورك في مذكرة بحثية "إن هذه الخطوة التي طال انتظارها قد تفتح الباب أمام زيادات كبيرة في الصادرات بحلول نهاية 2015". وتأتي الخطوة الأمريكية في وقت حرج تشهده سوق النفط العالمية حيث هبطت الأسعار العالمية بنحو النصف دون 60 دولارا للبرميل منذ الصيف مع رفض "أوبك" خفض الإنتاج في مواجهة تزايد الإنتاج الصخري الأمريكي وهو ما تسبب في ضعف الطلب العالمي بعد أن كانت دول "أوبك" تسعى في السابق إلى استقرار سعر النفط عند 100 دولار للبرميل. ومن خلال فتح الباب أمام تصدير الخام الأمريكي تيسر الحكومة الأمر قليلا على بعض شركات التنقيب المحلية التي قالت "إنها مضطرة لبيع نفطها الصخري بخصم يصل إلى 15 دولارا للبرميل مقارنة بالأسواق العالمية مع تسارع زيادة الإمدادات المحلية التي تفوق كثيرا الطلب المحلي". غير أن الزيادة الوشيكة في إمدادات النفط الأمريكي إلى الأسواق العالمية قد تزيد من حدة ما يعتبره كثير من المحللين حربا محورية في سوق النفط ترفض فيها السعودية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" التنازل عن جزء من حصتهما في السوق. وستواجهان الآن منافسة أشد. ونيجيريا من الدول الأكثر تعرضا للخطر جراء صادرات النفط الصخري الأمريكي إذ تضخ خاما مماثلا خفيفا منخفض الكبريت، وخسرت الدولة العضو في "أوبك" بالفعل حصتها في السوق الأمريكية لمصلحة النفط الصخري حيث انعدمت صادراتها إلى الولايات المتحدة تقريبا بعد أن كانت تزيد على مليون برميل يوميا، والآن تواجه نيجيريا منافسة أمريكية في أوروبا وآسيا أيضا. وخضع مكتب الصناعة والأمن الذي ينظم ضوابط الصادرات الأمريكية للتدقيق الشديد على مدى السنة الأخيرة بسبب تزايد الضغوط لتوضيح قواعد تصدير الخام، ففي حين تحظر هذه القواعد تصدير النفط الخام غير المعالج عموما فهي تسمح ببيع الوقود المكرر مثل البنزين ووقود الديزل إلى الخارج. لكن السؤال الذي حير المنتجين الأمريكيين هو كيف تطبق القواعد على "المكثفات المعالجة" وهي عبارة عن نفط فائق الجودة يجري تسخينه عبر وحدة تكرير، وقال مكتب الصناعة والأمن "إنه منح بعض الشركات إذنا بتصدير الخام الخفيف المعالج لكنه لم يخض في تفاصيل بخصوص ما وافق عليه". وأصدر المكتب أيضا أول إرشادته المكتوبة على الإطلاق بشأن القواعد نفسها في صورة أجوبة عن أسئلة تطرح كثيرا يوضح فيها بالتفصيل مجموعة من المسائل التي عرقلت الجهود الرامية للمضي قدما في تصدير كميات كبيرة. وقال كيفن بوك العضو المنتدب لدى كليرفيو إنرجي بارتنرز "إن الوثيقة تمنح قدرا كبيرا من حرية التصرف قد يسمح بزيادة أحجام الصادرات في المستقبل وهي إجراءات ربما تضيق فارق السعر بين الخام الأمريكي وخام القياس العالمي برنت". وضاق الفارق بين برنت وخام غرب تكساس الوسيط أمس أكثر من 50 سنتا ليصل إلى نحو 3.70 دولار للبرميل، وفي ظل التقلب الذي تشهده أسواق النفط العالمية لم يتضح بعد حجم المكثفات الأمريكية التي سيتم تصديرها للخارج. وتقلص شركات التنقيب بالفعل ميزانياتها لعام 2015 بمليارات الدولارات بسبب نزول أسعار النفط وهي إجراءات ستبطئ على الأرجح نمو الإنتاج في العام المقبل وتؤخر اللحظة التي سيتجاوز عندها المعروض الطلب. وأشار مسؤول في الحكومة الأمريكية إلى أن مسألة الصادرات ستترك في النهاية للسوق وإن المكتب سعى ببساطة إلى توضيح الحدود، ورغم ذلك ومع عدم إجراء أي تعديلات على القانون الأمريكي الأساسي الذي يحظر تصدير النفط الخام فإن أي نمو حتى إن كان بطيئا فسيفوق طاقة شركات التكرير في النهاية وهو ما سيطرح تساؤلات أكثر صعوبة في المستقبل. وقال جاسون بوردوف المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا والمستشار السابق للبيت الأبيض لشؤون الطاقة "إن مسألة السماح بتصدير النفط الخام مباشرة بسبب تجاوز إنتاج الخام الخفيف لطاقة منظومة التكرير المحلية ما زال قضية قائمة قد تحتاج إلى التعامل معها في المستقبل، ردا على تغير ظروف السوق".
مشاركة :