وصفت الدوائر السياسة في الجزائر العاصمة، العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية، بأنها تواجه حالة «توتر مزمن» أقرب للحرب الباردة.. وتشير وسائل الإعلام الجزائرية، إلى أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تعرف كثيرا من التجاذبات من حين إلى آخر، ولعدة أسباب، ما جعلها تعكر صفو تلك العلاقات، وفي جميع الحالات، تلتزم السلطات العليا في الجزائر الصمت إزاء التحرشات الفرنسية، أو ترد «على استحياء»، على الرغم من مساعي التهدئة وترطيب الأجواء من طرف قادة البلدين بتنازلات مؤلمة جزائريا، وبراغماتية فرنسيا. الخلافات بين البلدين، أشد تعقيدا، وبالإضافة إلى الخلاف حول الملف الليبي، والأزمة في مالي، فقد انتقلت الأزمة الصامتة إلى ملف حساس بالنسبة للجزائريين، وهو «التأشيرات» الممنوحة لزيارة فرنسا، وعبّر عن ذلك السفير الفرنسي « كزافيي دريانكور»، باتهام صريح لمسؤولين في الدولة الجزائرية، بأنهم يزوّرون أوراق ملف التأشيرة، وبأنهم يتحايلون بتقديم معلومات مغلوطة ـ بحسب تقرير صحيفة الخبر الجزائرية ـ إلى جانب سلوكيات فرنسية وعلى فترات متقطعة، حيث لا يتوقف الفرنسيون عن «معايرة» السلطات الجزائرية بشأن تسديد تكاليف الضمان الاجتماعي للمرضى الجزائريين لدى المستشفيات والعيادات الفرنسية، رغم أنها مستحقات زهيدة، ليست ذات قيمة ! ثم جاءت تصريحات مسؤول المخابرات الخارجية الفرنسية والسفير السابق لدى الجزائر، «برنار باجولي»، بعد يومين من رفع الحماية الأمنية عن المقرات الدبلوماسية الفرنسية بالجزائر، ردا على إجراء فرنسي مماثل، لتعبر التصريحات في باطنها وظاهرها، عن موقف غير معلن يسكن صدور وعقول الساسة والقادة الفرنسيين، والتصريحات جاءت في شكل تهجم على الدولة ورموزها، وفي مقدمتهم الرئيس بوتفليقة، وجيل الثورة، الذين هم سبب التعثر في إقامة علاقات قوية بين البلدين، حسب رأي «برنار باجولي»، وإن حاول السفير الفرنسي كزافيي دريانكور في مقابلته مع صحيفة الخبر، أمس، «التقليل» من عدائية تصريحات زميله باجولي، وقبله خطوات الرئيس «ماكرون تجاه ملف الذاكرة، مما يضفي حالة من القلق لدى القيادة الجزائرية حول توقيت هذه الخطوات المستفزة، بما يخدم مصلحة «ماكرون» على حساب علاقات استراتيجية، تستفيد منها باريس منذ 1830، وتسعى لاحتكارها بدفع الجزائر إلى «تقليص» نفوذ الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأول منذ سنوات. الهدنة بين البلدين، والتي أرساها الرئيس بوتفليقة ونظيره الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، لم تستمر طويلا، حيث عقد خلالها «هولاند» العديد من الصفقات مقابل اعتراف «مطاطي» بحدوث جرائم كان ضحاياها من الطرفين، كجرعة ثانية بعد تلك التي قدمها سلفه «نيكولا ساركوزي» عندما ندد بالنظام الاستعماري الفرنسي واصفا إياه بـ «الجائر»، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون الجزائريين إلى طي صفحة الماضي والمضي قدما نحو المستقبل بذهنية جديدة للبناء، بعيدا عن مخلّفات الماضي، تاركا هذه الأخيرة إلى المؤرخين والباحثين للنبش في ملفات الأرشيف المؤلمة للطرفين، كما قال ! والتف «ماكرون» فيما بعد ، على الدعم الرسمي الجزائري له في ترشحه للرئاسة الفرنسية، لتعود العلاقات إلى نقطة الصفر، ميزتها تبادل رسائل مشفرة، بداية من الإحراج الذي أحدثه حديث رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى باللغة العربية في باريس بمناسبة اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين، وهو ما فسره المراقبون على وجود «أزمة صامتة» بين البلدين ـ بحسب تقرير الصحيفة الجزائرية ـ كما أن باريس لم تترك أي ذكرى أو مناسبة مرتبطة بالحقبة الاستعمارية، إلا ويسلط إعلامها بمختلف أشكاله، وألوانه السياسية والإيديولوجية، البندقية نحو الجزائر والمغتربين الجزائريين، الذين يهددون الاستقرار الاجتماعي والأمن في أحياء الضواحي، والتذكير بـ «مجازر» مزعومة ارتكبها مجاهدو ثورة التحرير ضد الأقدام السوداء والحركى، و (الأقدام السوداء،تسمية تطلق على المستوطنين الأوروبيين الذين سكنوا أو ولدوا في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، والحركي، جزائريون حاربوا الجزائريين إلى جانب فرنسا).. وترتفع الأصوات المطالبة باستعادة الأملاك الشاغرة والمتروكة منذ 1962، في الجزائر، مع التلويح باللجوء إلى المحاكم الدولية!! من بين الملفات الخلافية بين البلدين؛ تلك المرتبطة أساسا بالتاريخ الاستعماري لفرنسا من (1830-1962)، أبرزها مطالبة الجزائر فرنسا بالاعتذار عما تصفه بالجرائم الاستعمارية، وقضية التجارب النووية الفرنسية بالجزائر، واستعادة الأرشيف، وممتلكات من يوصفون بـ «الأقدام السوداء»، واستعادة جماجم المقاومين، وتسليط الضوء على المفقودين.. إذ تطالب الجزائر منذ استقلالها عام 1962 باعتراف فرنسي رسمي بجرائم الاستعمار العديدة، وبالاعتذار عنها، وبينها حملة الإبادة التي ارتكبتها القوات الفرنسية في ولايات: سطيف، وڤالمة، وخراطة، بشرقي الجزائر، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى في 8 مايو/آيار 1945..كما يطالب الجزائريون بأن تعترف فرنسا وتعتذر عن أحداث 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، التي توصف بالمجزرة التي ارتكبتها فرنسا ضد متظاهرين جزائريين خرجوا في مظاهرات سلمية بباريس احتجاجا على حظر التجول الذي فرض عليهم في العاصمة سنة 1961. وفي ذكرى الاستقلال، جدّد بوتفليقة التأكيد على أن الشعب الجزائري ما زال مصرّا على اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية.. وفي المقابل، تصر باريس، يمينها ويسارها، على رفض فكرة الاعتذار عن ماضيها الاستعماري في الجزائر، في وقت يرى البعض أنها محاولة لتفادي مواجهة القضاء الدولي. ورغم أن بعض المسؤولين الفرنسيين، وآخرهم الرئيس ماكرون، قد أقروا ، بالانتهاكات التي ارتكبتها بلادهم خلال استعمارها للجزائر، لكنهم يرفضون الاعتذار.. وخلال زيارة للجزائر في شهر فبراير/ شباط 2017 كمرشح للرئاسة، قال ماكرون إن «الاستعمار الفرنسي للجزائر تميز بالوحشية وشهد جرائم ضد الإنسانية»، لكنه تراجع عن ذلك في زيارته لها وهو رئيس لفرنسا، مصرحا «لا يمكن أن نطلب من الشعب الفرنسي أن يعتذر للجزائريين» !!
مشاركة :