كيف تتحول أي قصة تتعلق بالمرأة إلى موضوع يستحوذ على مساحة كبيرة من النقاش والجدل واللغط الإعلامي والخصومات وتقوم الدنيا ولا تقعد؟ إلى درجة أن معلقين كثراً بدأوا يعبرون عن مللهم وضيقهم من الخوض في مثل تلك القصص، فأحدهم يتمنى لو يفتح الصحف ويطالع أخباراً جديدة عن اختراعات أو فتوحات علمية أو معلومات يستفيد منها بدل الشتائم، وآخر يخجل من الموضوعات التي تثار من وقت لآخر ويرى أننا أصبحنا أضحوكة لمن يقرأ تعليقاتنا في المواقع الالكترونية. هذه الحروب الكلامية وخطاب الكراهية الذي يصدر من بعض فئات المجتمع حول تصرفات شخصية تتحول إلى قضايا عامة تجعل الأفراد في حالة خوف من بطش المجتمع ونقده المقذع، وهذا نوع من الإرهاب الفكري والاجتماعي يعد وجها آخر للإرهاب الدموي. ليست المشكلة في الاختلاف وتباين المواقف ولكن المشكلة بهذا العنف اللفظي في التعبير عن الاختلاف بالتكفير والتخوين والتهديد والدعاء بالموت والثبور، والغريب أن بعض تلك الأصوات المرتفعة قلما نسمعها في القضايا العظمى المتعلقة بالفساد والظلم والعنف، بل إن بعضها ينخرط في مثل هذا اللغط من باب النفاق والرغبة في نيل رضا وقبول المجتمع. إذا كنا جادين في مكافحة الإرهاب فهل بمثل هذه العقلية نواجهه؟! كيف يواجه ما يعتبر بنظر المهاجمين أنه عمل غير أخلاقي بأساليب غير أخلاقية؟ كيف يمكن أن تكون السخرية والتعرض لخصوصيات الناس والتحريض عليهم وسائل لتصحيح ما يعتبر أنه خطأ؟ هل تكون الغيرة على الحرمات بانتهاك الحرمات؟ ماالذي يدفع بأمور هامشية وفردية لتصبح قضايا كبرى ينقسم الناس حولها؟ إذا كان من يهاجم يفعل ذلك باسم الدين فلماذا لا يقتدي بالنهج النبوي في تسامحه وتعامله حتى مع ما اعتبر خطأ باعتراف مرتكبه فما بالنا عند التعامل مع المسائل الخلافية؟ روى عن الأئمة أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير من طرق: عن سماك بن حرب، أنه سمع إبراهيم بن يزيد يحدث عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، قبلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت. فلم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه. فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره ثم قال: "ردوه عليّ" . فردوه عليه، فقرأ عليه: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) فقال معاذ، وفي رواية عمر: يا رسول الله، أله وحده، أم للناس كافة؟ فقال: «بل للناس كافة». استئصال شأفة الإرهاب يحتاج من علمائنا ومفكرينا ونخبنا إلى مراجعة نقدية، وعملية إصلاح في البناء الفكري الإسلامي، يحتاج إلى ما عبر عنه أحد المحللين بالجهاد الفكري والثقافي والاجتماعي.
مشاركة :