لندن – أكد مراقبون من داخل طهران ومواقع عالمية تراقب الأوضاع الاقتصادية في إيران أن العملة الإيرانية انهارت أمس إلى 190 ألف ريال للدولار، لتصل خسائرها منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي إلى نحو 78 بالمئة من قيمتها. ووضع إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران العملة المحلية على طريق من اتجاه واحد في ظل تزايد المؤشرات على قرب الاختناق التام لجميع الأنشطة الاقتصادية في البلاد. وأظهر موقع بونباست الذي يعد الأكثر موثوقية في متابعة الأوضاع المالية في إيران، أن سعر الدولار بلغ 190 ألف ريال، لكن تقارير من داخل طهران تؤكد أنها لا تكشف عن عمق انحدار العملة الإيرانية بسبب ندرة الصفقات التي يتم إبرامها. وتشير التقارير المالية إلى أن معظـم مكاتب الصرافة في إيران أغلقت أبوابها أو كتبت يافطة تعلن أنها لا تملك أي عملات أجنبية. وذكرت أن الكثير من الإيرانيين الخائفين من فقدان قيمة أموالهم يطاردون أي أثر للعملات الأجنبية وأنهم مستعدون لدفع أسعار أعلى من تلك التي يعلنها موقع بونباست. وتفاقمت حالة الهلع بين الإيرانيين بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي كشف فيها إصراره على تشديد العقوبات بدرجة غير مسبوقة لإجبار طهران على تغيير سلوكها وخاصة التدخل في شؤون دول كثيرة في الشرق الأوسط. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الثلاثاء إن الولايات المتحدة تشن “حربا اقتصادية” على إيران بإعادة فرض العقوبات الأحادية الجانب. ويرجح مراقبون أن ينعكس انهيار الريال على جميع مظاهر الحياة في إيران خاصة أنه يعني انهيار القدرة المعيشية بنسبة مماثلة، الأمر الذي ينذر باندلاع احتجاجات بين الإيرانيين في أي لحظة. وتشكلت هذا الأسبوع طوابير طويلة من السيارات أمام محطات تعبئة الوقود في إيران بسبب إضراب سائقي شاحنات نقل الوقود في البلاد جراء سوء ظروف عملهم وانهيار قيمة أجورهم. معهد التمويل الدولي: من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنحو 4 بالمئة العام المقبل وذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية أن سائقي شاحنات نقل الوقود في محافظات أصفهان وهرمزغان وخراسان الجنوبية، نظموا إضراباً عن العمل وأن نقص الوقود أدى إلى طوابير طويلة للسيارات أمام محطات تعبئة الوقود. وكان سائقو شاحنات إيرانيون قد تظاهروا في شهر مايو الماضي ضد ارتفاع أسعار التأمين وأجور التصاريح ونسب العمولة المرتفعة وزيادة تكاليف التصليح وقطع الغيار رغم بقاء رواتبهم ثابتة، حيث تعهدت الحكومة الإيرانية حينها بحل مشاكلهم. وهاجم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمس خطط الاتحاد الأوروبي لإنشاء آلية خاصة بهدف التحايل على العقوبات الأميركية المفروضة ضد طهران على صادرات النفط الإيرانية وقال إنها خطط غير بناءة بالمرة. وأشار عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين إلى أن فكرة هذه الآلية هي تأسيس نظام مقايضة يشبه ذلك الذي استخدمه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة لتبادل النفط الإيراني مقابل سلع أوروبية بدون استخدام أموال. لكن المحللين يقولون إن الإجراءات الأوروبية لا تعدو أن تكون مجرد محاولة لحفظ ماء الوجه، بسبب إجماع الشركات الأوروبية على وقف التعامل مع إيران للحفاظ على مصالحها الكبيرة مع الولايات المتحدة في ظل تنفيذ العقوبات الأميركية المفروضة على طهران. وأشاروا إلى تخلي بنك ببيفرانس الفرنسي المملوك للدولة هذا الأسبوع عن خطط لتأسيس آلية لمساعدة الشركات الفرنسية في التجارة مع إيران، في مواجهة العقوبات الأميركية على طهران. كما أكد معهد التمويل الدولي أن مثل هذا النظام سيفشل على الأرجح في إقناع الشركات الأوروبية الكبرى بتنفيذ أنشطة تجارية مع إيران خوفا من العقوبات الأميركية مع بدء سريانها في نوفمبر القادم. وأظهرت بيانات المعهد أمس أن صادرات إيران النفطية تتراجع بسرعة كبيرة حتى قبل فرض الجولة الثانية من العقوبات الأميركية. ورجح المعهد أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنحو 4 بالمئة العام المقبل. لكن محللين يقولون إن الانهيار السريع للعملة يضع الاقتصاد الإيراني على حافة الانهيار الشامل لأنه يجعل ممارسة أي نشاط اقتصادي في غاية الصعوبة. وقال المعهد الذي يمثل البنوك والمؤسسات المالية الكبرى حول العالم إن صادرات النفط الخام والمكثفات انخفضت بمقدار 0.8 مليون برميل يوميا منذ أبريل الماضي لتصل إلى أقل من مليوني برميل حاليا. وذكر معهد التمويل الدولي أن صادرات النفط تهبط رغم أن إيران تبيع خامات رئيسية بخصم كبير وتستخدم ناقلاتها في شحن المنتجات للصين والهند دون تكاليف إضافية. وقال المعهد إن شركات الشحن الإيرانية تقدم أيضا شروطا سخية للسداد، وفي بعض الحالات تقبل الدفع باليورو واليوان الصيني بدلا من الدولار. لكن التقارير تشير إلى أن الهند ستتوقف عن شراء النفط الإيراني بعد استكشاف توقف واشنطن عن إمكانية تقديم إعفاءات وهو أمر مستبعد في ظل المواقف الأميركية المعلنة.
مشاركة :