د.خليل حسين كادت الظروف الإقليمية والدولية أن تفتح معركة إدلب وسط أجواء توحي بقبول روسي أن تحسم المعركة لمصلحة النظام السوري، وحلفائه، إلا أن ما جرى أثناءها من قمم ثلاثية وثنائية، أعادت موسكو من خلالها ترتيب أوراق إدلب من جديد، علاوة على بروز مواقف تدفع بهذا الخيار إلى الأمام، للعديد من الأسباب والاعتبارات الروسية، والتركية تحديداً.فقمة طهران الثلاثية التي جمعت إليها كلاً من روسيا وتركيا، حددت الأطر العامة لمعركة إدلب من دون حسم التوقيت، مسايرة للموقف التركي، وهي تعتبر هذه المعركة حاسمة ومقررة في العديد من الاتجاهات السورية والتركية، فدمشق تعتبرها انتزاعاً لنصر النظام بدعم إيراني واضح، فيما تركيا التي تعتبر نفسها لاعباً، حاسماً، ومقرراً، وبالتالي لها أثمان مقررة في الاتجاهات السورية لجهة طبيعة علاقات الطرفين مستقبلاً، علاوة على القضية الكردية، وتحديد أطرها الخاصة مستقبلاً بين الإطراف التركية والإيرانية والسورية. فيما القمة الثانية التي جمعت كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أعادت رسم صورة مختلفة لوقائع قمة طهران، وبالتالي قبول روسي بمطالب تركية مزمنة لجهة الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين سوريا لأغراض أمنية، وعسكرية آنية، وسياسية، يمكن استثمارها لاحقاً، فيما موسكو ترى في هذا المقترح كبحاً لدور إيران وحلفائها في الأزمة السورية، وباباً لتنظيم وتحديد أطر العلاقات بينها وبين أنقرة. في المبدأ ثمة علاقات متقاطعة بين الأطراف الثلاثة فيها الكثير من القضايا المتفق عليها، لكن ثمة أيضاً العديد من التباينات التي ليست قليلة، وهنا تحاول الأطراف الثلاثة اللعب في معركة إدلب لتحديد أوراق الربح والخسارة قبل المضي فيها. لكنْ في المقابل ثمة لاعب آخر لم ينتظر دوره، فقررت «إسرائيل» الدخول أيضاً في هذه المعركة، ولو بطرق غير مباشرة ، فتسببت أثناء تنفيذها لغارة على أهداف في اللاذقية، بإسقاط الطائرة العسكرية الروسية فوق البحر المتوسط، وبالتالي فإن»إسرائيل» تحاول من هذا الباب إعادة ترتيب محددات علاقاتها مع روسيا، وإعادة تحديد أطر التعاون العسكري والأمني في سوريا ، ومنها أيضاً محاولة التدخل والتأثير في معركة إدلب. في أي حال من الأحول، ثمة مصالح روسية استراتيجية في الأزمة السورية، كما بقية الأطراف، لكنها في المبدأ تبدو اللاعب الأساسي المقرر في الكثير من خطوطها، رغم حاجتها لإنشاء علاقات متوازنة مع بقية الأطراف، بخاصة الجارة تركيا، العدو السابق، والمشاغب اللاحق، كما العلاقة مع «إسرائيل» التي تلعب دور المفرمل لتخفيف الاحتقان الروسي الأمريكي.ووسط هذه الوقائع المقررة في سير تحديد وتوقيت معركة إدلب، تبدو موسكو أكثر ميلاً لمراضاة تركيا في مطالبها المزمنة من جهة، وفي المقابل أيضاً تحاول كبح جماح وتحديد حجم التأثير الإيراني لاحقاً، وهي محاولة مستمرة من جانب موسكو في اتجاه مغاير بما يخص حدود التماس بين «تل أبيب» وطهران من خلال اتفاقات ضمنية تسعى إليها موسكو أيضاً. وفي المحصلة، فإن إشعال معركة إدلب، وحسم نتائجها سهلة كما رُوِج إليها في الأسابيع الأخيرة، بل مرهونة بالعديد من المؤثرات الإقليمية والدولية التي لا تبدو حاسمة ومتفق عليها حتى الآن. لذا ثمة خيارات محدودة أمام لاعبيها، إما معارك بالمفرق على طريقة قطف الانتصارات المتفرقة، وهي مكلفة لأطرافها جميعاً وليست ثابتة من جهة، ومن جهة أخرى بلع الهزيمة للأطراف الأخرى على أمل تحسين مواقعها، وإما ترك الأمور لما سيظهر لاحقاً من أوراق إقليمية ودولية مفيدة في عملية إدخالها ضمن إدارة الأزمة السورية، وهي كثيرة، وسريعة الاستهلاك، وقطف النتائج، وهو الأقل كلفة للجميع، رغم استهلاكها للكثير من الوقت والجهد.
مشاركة :