القاهرة – تستضيف حاليا قاعة “مشربية” في العاصمة المصرية القاهرة معرضا جريئا وصارخا تحت عنوان “أمشق 48” للفنان المصري الشاب مصطفى الحسيني، وفي المعرض المستمر حتى الثامن عشر من أكتوبر القادم لجأ الفنان إلى توظيف مخلفات المقابر وبعض الرموز السحرية الحقيقية في أعماله المعروضة. وكانت البداية، كما يقول الحسيني، حين عثر بالصدفة على كم كبير من الأوراق التي تحتوي على رسوم وطلاسم سحرية ملقاة بين مقابر الإمام الشافعي الكائنة عند سفح جبل المقطم شرق القاهرة، وهي منطقة وعرة، يصعب الوصول إليها، إذ أنها محصورة بين ضريح الإمام الشافعي وسفح الجبل. ويقول الحسيني “قبل هذه الزيارة كنت أحاول تذكر ملامح وجه والدي، وبعد أن نجحت أخيرا في إنعاش الذاكرة ورسم صورته في المخيلة، انتابتني رغبة ملحة في أن أزور قبره، وحين توجهت إلى المقابر أدركت أنني لا أستطيع تحديد المقبرة التي دفن فيها والدي بين المقابر الأخرى، لم أعثر حينها على قبر والدي، وأخذت أتجوّل بين القبور الأخرى كالتائه، لكنني واظبت على زيارة المقابر من يومها لعلي أعثر على مكان هذا القبر، كنت أزورها بشكل متقطع في البداية، ثم بدأت أكثف من هذه الزيارات على نحو منتظم ثلاثة أيام في الأسبوع”. وأثناء هذه الزيارات التفت الفنان إلى وجود العشرات من الأوراق الصغيرة المخبأة في شقوق الجدران المحيطة بشواهد القبور، ظن في البداية أنها أدعية أو آيات قرآنية تركها أصحاب المقابر ترحما على ذويهم، لكنه حين بدأ في تفحصها، وجد بينها أوراقا تحمل طلاسم ورموزا سحرية، مع رسوم غريبة لكائنات ووجوه بشرية، ولا يعرف الحسيني حتى اليوم كيف وصلت تلك الأوراق إلى هذه المقابر، أو ما هو الهدف منها. كانت تلك الأوراق السحرية مثيرة لخياله، وعلى نحو لاإرادي بدأ في جمعها وتصنيفها حتى تكونت لديه مجموعة كبيرة منها، ولم يدر حينها ماذا يفعل بها؟ حتى جاءته فكرة توظيفها في عمل فني. رسوم مجردة من سياقهارسوم مجردة من سياقها صنع الفنان المصري من هذه الأوراق التي استطاع جمعها عجائن ورقية وشكلها على هيئة ألواح، ثم أعاد صوغ الرسوم الغريبة التي كانت تحتويها الأوراق على سطح تلك الألواح. الأعمال التي رسمها الحسيني على عجائن الورق تلك ليست مجرد أسطح تحوي رسوما وعلامات، بل هي تسجيل وتوثيق لرحلة بحثه عن قبر والده، كما يقول، هي أعمال تحمل أسطورة الفنان الخاصة، كما تحمل تلك الرسوم السحرية التي عثر عليها نوازع أصحابها الشريرة أو الخيرة، وتحتوي أحلامهم أو أطماعهم. والأعمال المرسومة على عجائن الورق تمثل الجانب الأول من العرض الذي يقدمه مصطفى الحسيني في معرضه تحت عنوان “مجموعة الإمام الشافعي”، أما الجانب الآخر فيعرضه تحت عنوان “أمشق 48” ويقدم فيه مجموعة من الرسوم المرتبطة بالفترة التي قضاها في أداء الخدمة العسكرية بعد تخرجه في كلية التربية الفنية مباشرة، إضافة إلى عمل فيديو قصير. شريط الفيديو ومجموعة الرسوم التي يقدمها الفنان تحت عنوان “أمشق” يحتويان على تمثيل لبعض الحركات القتالية التقليدية التي كان يتدرب عليها الجنود أثناء فترة الخدمة العسكرية، وهي حركات مكررة وذات طبيعة عنيفة تسعى غالبا لتمثيل نموذج ما، النموذج الذي يحتذي به المدربون هنا يشبه الأمشق التي يستخدمها معلمو الخط العربي في تدريب تلاميذهم، وهي نماذج للخط الجيد يحاكيها المتعلم لتحسين خطه، كما في تدريس فن الخط، دائما ما كان هناك نموذج يتم الاحتذاء به في ألعاب القتال تلك، وعلى المتدرب أن يحاول الوصول بأدائه إلى هذا النموذج. ويقول الفنان “لقد حاولت هنا استعادة هذه النماذج التي رأيتها أثناء هذه التدريبات الشاقة، أنا اليوم أنظر إليها من بعيد، محاولا تجريدها من سياقها، مؤكدا على طبيعتها الآلية وجمالياتها الخاصة، من اشتباك الجسد والحركة العنيفة وتداخل الأطراف، هي نفسها الحركات التي يتم أداؤها كل مرة، وهي تمثل النموذج المثالي الذي يسير عليه المتدربون ويحاولون الوصول إليه”.
مشاركة :