الجزائر – تتخبط وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والخاصة بين الحقائق والأخبار الكاذبة، في ظاهرة فجرتها الأزمة الصحية التي اجتاحت البلاد بانتشار وباء الكوليرا، ولم ينجح الإعلام الرسمي في التعامل معها بل بدا مضطربا في نقل المعلومة الصحيحة تائها بين المصادر المتناقضة. خفّت وطأة الأزمة الصحية لكن الإعلام الجزائري استيقظ ليجد نفسه موصوما بعبارة “كلام جرايد”، فاقدا لثقة الجمهور، الذي لم يحصل على معلومات دقيقة، وفشلت المؤسسات في التواصل بشأن حالة البلد، مما فسح المجال للأخبار المزيفة للانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، في غياب أي رد فعل رسمي. وأصبح الكثير من الصحافيين لا يلتزمون بأي أخلاقيات للمهنة، ولم يعد الكثير منهم يفرّقون بين الخبر والإشاعة وحتى الدعاية، فاختلطت المفاهيم وأصبحت المعلومة الصحيحة هي الضحية الأولى في هذه اللعبة. ومن الملفت أنه في زمن تعددت فيه وسائل الإعلام، اقتصرت هذه التعددية في الشكل فقط، ليبقى المضمون نفسه، فالعشرات من الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية، تتغذى من مصدر واحد هو فيسبوك، وغابت أدنى معايير الكتابة الصحافية المتعارف عليها، والنتيجة أن المواطن لم يعد يثق في أي جهة بما فيها الجهات الرسمية التي وصلت إلى حالة من التخبط لم تشهدها في أسوأ الظروف التي عاشتها في وقت سابق. ويقول الإعلامي حسان حويشة إن الأنباء الكاذبة للأسف صارت ظاهرة منتشرة على المنصات الاجتماعية وتغذيها بشكل يومي. والملاحظ أيضا أن تأثير هذا النوع من الأخبار انعكس على المستخدمين على شبكات التواصل الاجتماعي الذين يصدق الكثير منهم بسذاجة ما ينشر على هذه المنصات. ويرى أنه من المثير أن الأنباء الكاذبة تؤثر على الصحافيين الذين يفترض منهم التحقق من المعلومة قبل نشرها، مستدلا بما حدث مؤخرا مع بيان مفبرك لشركة اتصالات الجزائر، وتم تداوله على أنه بيان صادر عن الشركة بخصوص قطع كلي لخدمة الإنترنت في الجزائر، بسبب أشغال الصيانة على كابل بحري يربط الجزائر بمدينة مارسيليا الفرنسية. أزمة اتصال لدى أغلب المؤسسات الحكومية الجزائرية في التعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها مصادر للمعلومة ويعتقد حويشة أن الإجراءات والتدابير التي تخطط لها المنصات الاجتماعية الكبرى على غرار فيسبوك لمحاربة انتشار الأنباء الكاذبة، هي مهمة على ما يبدو لن تكون سهلة لشبكة يستعملها الملايين من المستخدمين يوميا. ويصف الصحافي كمال زايت الأخبار الكاذبة بمرض هذا العصر الذي طغى عليه سيل المعلومات المتدفقة بفعل ثورة الاتصالات، وفي دول مازالت مبتدئة في هذا المجال، ومازالت تعاني قصورا في الاتصال لأن المسؤولين لم يدركوا ولم يعوا بعد أهمية الاتصال والتواصل مع المواطنين كمتلقين بتواصل مناسباتي فج مازال يتعامل مع المواطن على أنه قاصر. وفي ظروف مثل هذه، تصبح الأخبار الكاذبة، وفقا لزايت، هي الأخبار الصحيحة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويلفت إلى أنه رغم أن الكثير من الأخبار غير الصحيحة والملفقة يتم تكذيبها إلا أنها تستمر في الانتشار، خاصة وأن المواطن الذي تعود على أن تكذب عليه السلطات غالبا، أصبح يميل لكل ما لا يصدر عن جهة رسمية، ويفضل كل ما له علاقة بنظرية “المؤامرة”. والظاهر أن المشكلة الأكثر صعوبة هي أن وسائل الإعلام أصبحت تقع فريسة سهلة للأكاذيب، فالكثير من الصحافيين بسبب “ضعف المستوى والضغوط الممارسة عليهم في أماكن العمل” يبحثون عن أي خبر ويتلقفون أي خبر كاذب ويعيدون نشره، وهو ما تسبب في كوارث. ويعتقد زايت أن السلطات في الجزائر بدأت تتفطن إلى خطورة الأخبار الكاذبة، مشيرا إلى بيان مديرية الأمن العام الذي دعت فيه إلى توخي الحذر وعدم استقاء المعلومات إلا من المصادر الرسمية، غير أنه يرى أن حل المشكلة لن يكون سوى بالتوعية والتواصل الدائم والمستمر مع وسائل الإعلام، وتكريس الحق في الوصول إلى المعلومة، لأن الطبيعة ترفض الفراغ، وإذا لم تكن هناك أخبار موثوقة، فإن الأخبار الكاذبة ستجد الطريق مفتوحا أمامها للانتشار وتشكيل الرأي والوعي العام. بدوره يرفض عزالدين ديدان، وهو رئيس تحرير مركزي بقناة “دزاير نيوز” الإخبارية، الانتقادات، ويقول إنه من الإجحاف اتهام الصحافيين أو القائمين على وسائل الإعلام بالقصور وعدم الاحترافية في رصد الخبر، فهو يعتبر أن القضية أعمق من هكذا حكم، كون الصحافي ناقلا للمعلومة، والأجدر الحديث عن أزمة الاتصال السائدة في أغلب الهيئات وحتى الوزارات والمؤسسات الحكومية في التعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها مصادر للمعلومة. ويؤكد ديدان أن الأمر ينطبق على مختلف الأطراف من مجتمع وشركات اقتصادية تعاني من معضلة تواصل مزمنة، لافتا إلى أن الصحافيين يعيشون في محيط حاضن للإشاعة ومغذ للخبر الكاذب. ويضيف “لا أحد ينكر الأثر الكبير للإعلام الجديد خاصة ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي من توفير الآنية في نشر المعلومة، لكن بث الخبر في دعامة إعلامية معترف بها في مثل قناة إخبارية بمقام ‘دزاير نيوز” بالاستناد على مواقع إنترنت، يخضع لمجموعة ضوابط مهنية معروفة، من تحر وتدقيق من مصادر رسمية وغير رسمية. السرعة في نقل المعلومة لا تعني التسرع، والمغامرة بمصداقية قناة إخبارية تحمل صورة الجزائر مرفوضة جملة وتفصيلا”. ويرجح البعض أن تطور الإنترنت وإضفاء الطابع الديمقراطي والاجتماعي عليها، أنتجا أثارا عكسية، لكونها ساهمت في انتشار معلومات غير صحيحة وكاذبة في وسائل الإعلام أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وبشكل عام معلومات خاطئة عن غير قصد، بسبب الجهل أكثر من النية والتعمد. ويجزم مهدي بوخالفة، وهو إعلامي متقاعد، أنه في غياب الإحصاءات والأرقام، يصعب تقييم الآثار المباشرة والجانبية لهذه المعلومات الكاذبة على المجتمع، وعلى سلوك وردود فعل الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مشاركة :