عندما التقيته أول مرة كنت لم أبلغ العشرين من عمري، كان ذلك في بداية العام 1973، في ذاك الزمن الجميل وعندما كانت السماء زرقاء، حيث كانت الحداثة فتية صاعدة في الأدب والفكر، كنا نعمل في الوسائل التعليمية، وكنا نجلس في مكتبه يومياً ولساعات، ومن يومها خرجت من عالم إلى عالم آخر، فقد كانت الحوافز حادة للتعلم، وكانت القراءة هي اللغة المشتركة، أخرجتني من الأقفاص ووجدت ضالتي.إسماعيل فهد إسماعيل علامة فارقة في حياتي، بلور لي فكري بأبسط ما يكون ومن خلال السلوك، ووضعني على طريق الاختيار لأداتي الفنية، بمضامين إنسانية منحازة للإنسان المُستغل، وكان يندهش من فعل الكتابة والتمزيق، كان يقول لي: هذه القصة جديرة بالنشر لا التمزيق، ثم حايلني ليحتفظ بقصة لي، لأفاجأ بها منشورة في ملحق الوطن آنذاك، وبمقدمة اشادة من مسؤول الصفحة الثقافية وليد أبوبكر، ليتوالى بعدها النشر حتى هذه اللحظة.عندما أهداني أعماله، وجدت بأن هذا الإنسان مختلف، وكلما تعمقت في صداقته، لمست أن اختلافه يأتي من تواضعه ومحبته للآخرين، كان إسماعيل يوزع محبته بالتساوي، لم يكن العداء ولا الحقد أو الكراهية من طبعه، كان يسير بلا توقف واثقاً من طريقه، كان يُشعر كل شخص بأنه الصديق الأقرب والأوحد، ولذا حظي بمحبة الجميع بلا استثناء.لم تكن أعماله مختلفة فقط، ولكن كانت مواقفه مختلفة أيضاً، كان منسجماً مع نفسه، لم يتخل عن فكره لآخر نفس في حياته، وهذا الفكر هو ما وضعه أمام مسؤولية الدفاع عن الوطن، ولم يكن من جملة من ادعى البطولة أثناء الغزو والاحتلال، كان منسجماً مع روحه الثورية.لم تنقطع الصلة الروحية بيننا، ولم ينقطع هم الوطن والإنسان المشترك، فلا أدب بلا موقف وطني وإنساني، ولا أديب بلا فكر، هكذا اتفقنا وهكذا عشنا، كان يجسد مقولة «المثقف العضوي»، لأنطونيو غرامشي.كان إسماعيل بالنسبة لي المعلم الأول، الذي نقلني من عالم إلى آخر، عالم غيّر حياتي وصبغها بالصبغة التي استمرت حتى هذه اللحظة، وفتح لي أبواباً كانت موصدة، خلفها عوالم سحرية، ولن أنسى فضله في ذلك، فمن خلال مشاعره وسلوكه، أثبت حقيقة أن الناس معادن، وهو معدن لا يتغير ولا يتلون ولا يخفي زيفاً.osbohatw@gmail.com
مشاركة :