في روايته «الظهور الثاني لابن لعبون»، وحين كان يناقش من خلالها آفة التطرف والعنف بسبب الجهل، ذهب إسماعيل فهد إسماعيل إلى خوالج النفس البشرية ورسم لوحة الحوار بين ابن لعبون الذي يظهر ثانية بعد سنين من وفاته لمغترب أميركي، وبين هذا الزائر الذي يستغرب تصرفات البعض ويناقشها مع شباب ذاك العصر من الكويت، ومن مريدي ابن لعبون ورافضي التطرف والعنف، لم تكن «الظهور الثاني لابن لعبون» مجرد رواية، بل كانت لوحة ترسم ملامح الماضي وتستشرف من خلالها توقعات المستقبل والتي لم يخطئها إسماعيل قط. عذراً أن أسميه إسماعيل فهد إسماعيل مجرداً عن أي صفة أو لقب، فقد كان في حياته كارها للألقاب لأنه رحمه الله يعرف من يكون، ويعرف من يجالسه من يكون أيضاً، ولهذا لم أضف لقباً لاسمه لأن روحه التي تعيش بيننا تكره الألقاب لعدم حاجتها إليها. أذكر عندما ذهبت للقائه، وفي معيتي إخوة أشقاء من اليمن رغبوا في الجلوس إلى هذه القامة التي يقرأون لها ويسمعون بها، كان انطباعهم الأول بعد خروجنا أنهم ارتشفوا من منابع الأبوة، التي أحسوا أنها تتدفق منه، فضلا عن الإثراء الأدبي.ومن أجل هذه المشاعر وتلك الأحاسيس ما أن وردهم وهم في اليمن خبر وفاته، حتى كتبوا كلهم وأرسلوا يعزون به ويستذكرون مآثره. لست أكتب هذا في معرض الرثاء - مع وجوبه - لكني أكتب ندبا لحالنا بعد ذهاب هذه القامات، وأتساءل: هل يخرج فينا إسماعيل فهد إسماعيل ثانية كما أراد هو أن يخرج ابن لعبون ثانية ولو لفترة؟ أطرح هذا السؤال في ظل فوضى كتابة تعم المجتمع يجرؤ فيها على الكتابة من لا يصلح للقراءة، ويتقدم الصفوف من لا يصلح أن يكون في ذيلها، وينتهك حرمة الثقافة من لم يشم لها رائحة، وينظر المجتمع إلى الفقاعات الهوائية على أنهم هم راسمو الحالة الثقافية عندنا... حالنا هذا يدعو للسؤال: هل يخرج فينا ثانية إسماعيل أو شبيهه حتى لو لم يكن له شبيه؟ هل يخرج فينا ثانية ليؤكد ما ذكره في حياته كما خرج ابن لعبون للأميركي!وفي ظل هذا التردي في الكتابة وسيطرة التافه وغلبته على السمين، وذهاب القامات استجابة لنداء الطبيعة الكونية، لم تعد محاربة هذا الغث مسؤولية المجتمع أو الفئة المثقفة به لأنهم حقيقة غير قادرين على مواجهة هذه الحرب لأن الفريق الآخر أقوى وبكثير وأكثر عدة وعتاداً... إنها مسؤولية الدولة أن تحارب هذه الآفات الكتابية كما تحارب الكوليرا وإلا فإن الوباء مسيطر لا محالة! @lawyermodalsbti
مشاركة :