القارئ المثالي يحاكم كلمات الكاتب

  • 10/1/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمودبقدر ما أن في القراءة متعة ومعرفة، بقدر ما أنها تحفل كذلك بكثير من الصعوبات، والتي ربما نستطيع أن نطلق عليها مخاطر، ولعل من أبرز تلك الصعوبات والمخاطر هي أن يستسلم القارئ تماماً ليصبح أسير الكاتب، دون أن يجري نقاشاً مع تفاصيل المعلومات والقضايا التي يثيرها المؤلف.ذلك النوع من القراءة يجرد الإنسان من عينه الفاحصة الناقدة، ولعل كثيراً من الباحثين في مجال القراءة قد تحدثوا عن ضرورة أن يكون القارئ مثالياً، وهم يقصدون القارئ الذي يجري علاقة مع النص بحيث يحاوره ويناقشه، وربما يعترض على كثير ممّا ذهب إليه المؤلف.وربما أبرز هؤلاء الكتاب والباحثين الذين أعدوا مؤلفات عن القراءة، الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، الذي يتحدث في كتابه «فن القراءة» عن القارئ المثالي، الذي يعيد خلق القصة وإنتاجها، والقادر على تشريح النص، متابعاً كل شريان وكل وريد، ومن ثم يوقف كائناً واعياً جديداً بالكامل على قدميه، ويستشهد مانغويل بقول الفيلسوف والشاعر الأمريكي رالف والدو إمرسون: «على المرء أن يكون مخترعاً كي يقرأ جيداً».وليس اعتباطاً ذلك البحث المضني الذي خاضه مانغويل عن القارئ المثالي، الذي تكتمل عنده فصول الرواية الكبيرة «القراءة»، ذلك القارئ الذي لا يستسلم لهيمنة الكاتب مهما كان حجمه، ولا يأخذ بكلماته كحقيقة مسلم بها.ويقسم مانغويل القراء إلى ثلاثة أنواع، الأول يستمتع من دون تقييم، والثاني يقيّم من دون استمتاع، أما الأخير فهو يقيّم أثناء الاستمتاع، ويستمتع أثناء التقييم، وهو القارئ الذي يرى فيه مانغويل أنه يعيد حقاً إنتاج العمل بشكل جديد، ويشير إلى أن أعضاء هذا النوع ليسوا بكثر.ويفرق مانغويل بين القارئ المثالي، والآخر العاطفي، فهذا القارئ الفريد في نظره يبدو أكثر ذكاء من الكاتب نفسه، لكنه يحذر من الخلط بين قارئ مثالي وآخر افتراضي، ويشدد على أن الأدب في المجمل لا يعتمد على قارئ مثالي، بل على ما يكفي من قراء جيدين.هذه الرحلة الممتعة التي يأخذنا إليها مانغويل، في فضاءات ساحرة، تغوص عميقاً في عوالم فن القراءة، وتطل على تلك الخبايا والمجاهيل التي تحتشد بها تلك العوالم، ففن القراءة هو الذي يميز الجنس البشري، وهو ذلك النشاط الإبداعي الذي يجعل البشر من كل الأوجه إنسانيين، فهي رحلة أدبية فريدة تحتشد فيها ملاحم مرويّات هوميروس ودانتي، وقصص تتداخل في عوالم بديعة وساحرة من «بينوكيو» إلى «أليس في بلاد العجائب».

مشاركة :