فاجأت "دار الصياد" الوسط الإعلامي والرأي العام في لبنان بقرار وقف جريدة "الأنوار" بعد حوالي 58 عاما على صدورها. القرار المفاجي أشار أيضا إلى أن جميع المطبوعات الأخرى التابعة للدار ستغيب، مثل "الصياد" و"الشبكة" و"فيروز" و"الفارس" و"الدفاع العربي"، بدءا من يوم الاثنين الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2018. وردت الدار قرار إغلاقها بعد 75 عاما على تأسيسها إلى خسائر مالية، كما جاء في الإطار الذي نشرته "الأنوار" على صفحتها الأولى في عددها الأخير. إلهام فريحة، ابنه سعيد فريحة مؤسس الدار، قالت: "أدينا قسطنا للعلا والوطن. وحان الوقت للتوقف، حفاظا على كرامة سعيد فريحة". على صفحة "الأنوار" لا تجد سوى إطار يحمل "تحية لأنوار أشعت في قلوبنا لمدة 58 عاما" وكلمات تقول: "ومن الانتقال من الورق إلى الأونلاين فقط، تسأل الحياة نفسها: ماذا بعد؟ ويسأل التعب نفسه: هل من نهاية؟". غياب مطبوعات ارتبط اسمها بتاريخ نهضة الصحافة في العالم العربي سيطوي معه صفحة ذهبية من عمر الصحافة اللبنانية السياسية والاقتصادية والفنية، ويعكس في الوقت ذاته أزمة الصحافة المكتوبة في لبنان، الذي عرف الصحافة منذ القرن التاسع عشر. "ليس الأول" قرار إغلاق "دار الصياد" ليس الأول في لبنان، فقد سبقه إغلاق صحف أخرى مثل "السفير"، وإغلاق صحيفة الحياة مكتبها في بيروت وتسريح العاملين فيه. دفع القرار الأخير وزير الإعلام ملحم الرياشي إلى عقد اجتماع طارئ، للبحث في "أزمة الصحافة المكتوبة". الوزير أشار إلى أن هناك ثماني صحف في حالة "خطر حاليا"، وأعلن عن تشكيل لجنة متابعة ستحول مشاريع القوانين التي قدمها إلى الحكومة إلى اقتراحات قوانين في 72 ساعة. وأضاف أن الصحافة الورقية هي "الخزّان الاستراتيجي لكل الإعلام المرئي والمسموع والرقمي... وتعرّض هذه الصحف لأي عطب يعني تعرض كل الإعلام لعطب". هذا التدخل كان لافتا لدرجة أن نقيب الصحافة عوني الكعكي قال إنها "المرة الأولى التي تتحرك الدولة لايجاد حل لمشكلتنا". رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون دخل على الخط وأعرب عن الأسف لما آلت إليه حال الصحافة الورقية "بعدما كانت رائدة وشكلت صورة مشرقة لعقود، حفلت بأقلام كتاب وصحافيين جعلت من لبنان وطن الحقيقة والكلمة، ورفعت الصحافة إلى مرتبة السلطة الرابعة". وعبر سياسيون وناشطون لبنانيون عن أسفهم لإغلاق دار الصياد. ويرى مراقبون أن الدعم العربي وتمويل وسائل إعلام لبنانية خاصة المكتوبة منها تراجع بشكل كبير في السنوات الـ10 الأخيرة، إضافة إلى المنافسة الكبيرة التي فرضها التقدم التكنولوجي في السوق الإعلامية. أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير قال لقناة "الحرة" إن المؤسسات الإعلامية التي لم تغلق ينبغي أن تستثمر في الصحافيين العاملين لديها ليتواكبوا مع العصر الرقمي. وإلى جانب العجر المالي الذي يعد أبرز مسببات انهيار بعض الصحف، يرى آخرون أن تحول هذه الصحف إلى مؤسسات عائلية، مع كل ما يرافق ذلك من خلافات مالية يؤدي إلى انهيارها وتسريح العاملين فيها. تاريخ طويل أسس الصحافي والكاتب اللبناني سعيد فريحة دار الصياد عام 1943. في ذلك العام خرجت إلى النور أولى مطبوعاته مجلة "الصياد" التي اشتهرت بالشخصية الكاريكاتورية "أبو خليل". كان هذا عام استقلال لبنان، وكانت "الصياد" تعتبر "عملا إعلاميا استقلاليا تأسيسيا ضد الانتداب لترسيخ الوحدة الوطنية بين اللبنانيين". العدد الأول من "الصياد" تألف من 24 صفحة وصدر في بيروت. لكن سعيد فريحه الذي أصر على أن تطبع مجلته "طباعة متطورة" نقل موادها إلى مطابع "دار الهلال" القاهرية في 1948 محتفظا بمكاتب التحرير في بيروت، وظلت انطلاقة مطبوعاتها من القاهرة حتى عام 1954. المجلة كانت لها مواجهات مع السلطة الحاكمة وتعرض مؤسسها للسجن، ويقول موقع ابنته إلهام فريحة إنه سجن في حياته خمس مرات وتعرض للاغتيال 12 مرة. تتابعت إصدارات سعيد فريحه، رغم الأزمات التي عاشها لبنان والمنطقة العربية، لتتوزّع بين الفن والسياسة والاقتصاد، فصدرت مجلة جديدة عام 1956 للفن والمجتمع والجمال هي "الشبكة". وبتاريخ 25 آب/أغسطس 1959 صدر العدد الأول من "الأنوار" وتوالت بعد ذلك الإصدارات مثل: "سمر"، "الدفاع العربي"، "الإداري"، "تقارير وخلفيات"، "سحر"، "الطيار"، "فيروز".
مشاركة :