أمانة المسؤولية.. ومسؤولية الأمين!

  • 10/3/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

ربما لا أُفشي سرًّا، ولا أقول ما يُشكِّله خيالي من أفكارٍ وتصوُّرات، بل حقيقة تثور في صدور سكان جدة بشكلٍ خاص، عندما يتعيَّن أمين جديد لمدينتهم الساحرة، جدة، الخوف وقلة الثقة، نتيجة تراكم الخبرة مع كل مسؤول يستفيد من المنصب، الذي يجعله مسؤولاً عن مقدرات المدينة المترامية الأطراف بشوارعها واقتصادها ومبانيها وبيئتها وسلامتها، حتى أَصاب سكان جدة الملل والإحباط، رغم أني لازلتُ أنتمي لمكّة حُبًّا وعِشقا وجذُوراً، لكني عشتُ في جدة أكثر من ضعف عمري الذي عشتُه في مكة، وأصبحت جدة معشوقتي التي خبرت دروبها، واعتدتُ على تقلُّب مزاج طقسها، والحُفر والمطبات في شوارعها، والحفريات التي لا تنتهي في أزقتها وشوارعها وتجعل وصولك إلى وجهتك نوعاً من المناورة والتحدي، ولا أجد راحتي وسعادتي إلا عندما أعود إليها، مهما شرَّقْتُ أو غَرَّبتُ، محمولة على جناحي الشوق والحنين لأهلي وأحبتي ولمعشوقتي جدة. وعندما تم تعيين الأستاذ صالح التركي أميناً لمدينة جدة، ربما انتابتني نفس المشاعر ليس في اختيار ولاة الأمر للمسؤول، ولكن جهلاً بقدرات المسؤول عن أمانة مدينة عريقة وجميلة ومعشوقة لكل من يزورها رغم أمراضها المزمنة، حتى استمعتُ إلى كلمته وشفافيته خلال ورشة «الهوية الحضارية والمعمارية لجدة عصر الغد»، أمام أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وأمام محافظ جدة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد. تحدَّث المسؤول الأمين عن التعديات والحفريات والعشوائيات التي أصبحت غطاءً وستاراً للمتخلفين، وصناعة كل أشكال المنتجات المقلّدة والفاسدة التي تُضَخ في الأسواق تحت نظر مراقبي البلديات وربما في حمايتهم، «60» حيًّا عشوائيًّا، هل كانت لا تُرى بالعين المجردة يا ترى؟! 80% من المباني مُخالفة للأنظمة والتعليمات، أين مراقبو البلدية ورؤساء البلديات الفرعية ومسؤولية الأمناء السابقين المهنية والأخلاقية؟!. «58» ألف حفرة، «90» ألف بيَّارة مفتوحة إهمالاً وعدم مسؤولية، المستنقعات والبعوض، وحمى الضنك التي أنهكت ميزانية الدولة مكافحةً وعلاجًا لم يقضِ على أصل المشكلة؛ الحفر والبيارات والمستنقعات، رغم الميزانية المالية المهدرة على معالجة العرض لا المرض! رغم فداحة أرقام الحفر المفتوحة والبيارات -أكرمكم الله- التي ابتلعت أرواحًا بريئة في ظل صمت المسؤولين السابقين، بل كانت كل جهة تلقي بالمسؤولية على الجهة الأخرى دون إحساس بالمسؤولية أو الأمانة التي يحملها في عنقه عندما تولى مسؤولية المنصب، «58» ألف حفرة في جدة أنهكت سياراتنا، وربما أضرَّت بصحة مرضى أو حوامل، وأزهقت الأرواح، عندما تمتلىء بمياه المطر أو المجاري التي تنفجر أو تطفح في كل لحظة، «58» ألف حفرة، «90» ألف بيارة، كيف عميت عنها الأبصار، وتباطأ المسؤول عن ردمها ومعالجتها؟!. أسئلة كثيرة دارت في رأسي وأنا أستمع إلى كلمة المسؤول الأمين، الذي بدأ عهده بإعطاء المرأة ثلاثة مناصب مهمة لم تكن حتى تدخل ضمن أحلام النساء في جدة ولا في أي منطقة أخرى، ثقة وجرأة محمودة ومطلوبة من المسؤول الذي يُقدِّر مسؤوليته ويعرف حدودها ومساحتها. لا أعرف صالح التركي، ولكن أعرف أعمال الخير التي برع فيها، وأعلم أنه رجل أعمال ساهم أو أنه بادر بإنشاء جمعية البر، ومؤسسة نسمة داعم سنوي لبعض الجمعيات الخيرية هذا كل ما أعرفه عن صالح التركي، لكن كلمته التي وصلتني على الواتس واستمعت لها، شرحت شخصية وذهنية ونفسية أمين مدينة جدة، «تحدَّث لأعرفك»، كما يقول سقراط، أعتقد أنه بكلمته الشفافة الصادقة أدخل الطمأنينة على قلوب سكان جدة، وأن معاناة السنوات الطويلة ربما بعد سنة أو سنوات ستُصبح ذكرى تتوارى في خلفية مشهد الذاكرة الذي سينفتح على عهدٍ جديد ينهي معاناتنا مع الحفر والمطبات والحفريات، والبعوض في الشتاء، والذباب في الصيف، والحشرات والفئران التي تملأ الشوارع والمستودعات وشاطئ جدة، رغم ما صُرف عليه ليُمثِّل واجهة بحرية، إلا أن أهم من الشكل الجمالي سلامة البيئة، مما ينفر من الجلوس فيها والاستمتاع بجمال تخطيطها وتنظيمها.

مشاركة :