برزت جزر المالديف، المعروفة لدى المسافرين الأثرياء بشواطئها ذات الرمال البيضاء ومنتجعاتها الفاخرة، باعتبارها أحدث ساحة للتنافس الجيوستراتيجي المحموم بين الصين والهند – العملاقان الآسيويان المتنافسان على بسط النفوذ في المحيط الهندي. في الأسبوع الماضي لعب 234 ألف ناخب في الدولة الجزيرة الصغيرة دورًا رئيسيًا في هذه اللعبة الكبرى الجديدة، إذ شاركوا في الانتخابات التي أطاحت بعبد الله يمين، رئيسهم الاستبدادي الذي أصبح معادياً للهند وقريبا من الصين. الفوز الساحق لإبراهيم محمد صليح - السياسي المعتدل المدعوم من المعارضة المنقسمة في المالديف - يعتبر نصراً استراتيجياً مهما للهند، التي ظلت تراقب الوضع بانزعاج في الوقت الذي تشن فيه بكين، من خلال مبادرة الحزام والطريق الطموحة، غزوات في أعماق ما اعتبرته نيودلهي ذات مرة مجال نفوذها الطبيعي. في غضون ساعات من التحول السياسي، تحدث صليح إلى رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وأعلن على الملأ أن الهند "أقرب حليف" للمالديف. النتيجة جيدة في جميع الأحوال بالنسبة إلى نيودلهي، بالنظر إلى أنها قاومت دعوات زعماء المعارضة المالديفيين المنفيين خارج البلاد - وصقور الأمن داخل البلاد - للتدخل عسكرياً في شباط (فبراير)، بعد أن فرض يمين حالة الطوارئ واعتقل منتقديه وخصومه السياسيين. براهما تشيلاني، المختص في قضايا الأمن الدولي، اعتبر ما حدث "انتصارا للصبر الهندي. كانت الهند تحت ضغط كبير من المعارضة المالديفية - والرأي العام داخل البلاد - للتدخل في المالديف. أنا سعيد لأن الهند التزمت جانب الحذر". وأضاف "لو تدخلت الهند، لما كنا قد حصلنا على هذه النتيجة. أي مواطن من أي دولة لا يحب أن تتدخل قوة أجنبية كبيرة في شؤون بلاده الداخلية". على الرغم من صغر مساحتها، إلا أن المالديف تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الهند، لأنها تقع على مفترق ممرات بحرية يمر من خلالها كثير من البضائع التي يتم شحنها بحراً إلى الهند. ويقع أقصى الطرف الشمالي من جزر المالديف على بعد 70 ميلاً بحريًا فقط من أقصى جنوب أرخبيل لاكشادويب في الهند، الذي توجد فيه قاعدة للبحرية الهندية. تقليدياً، كان البلدان تربطهما علاقات وثيقة، إلا أن هذه العلاقات ضعفت بعد عام 2012، عندما انقلبت المؤسسة الحاكمة السابقة على أول رئيس منتخب ديمقراطياً في المالديف، محمد نشيد، وأجبرته على التنحي. يمين – تولى زمام السلطة منذ انتخابات 2013 المثيرة للجدل – تظاهر برغبته في تقوية العلاقات مع الهند، حتى إنه في عام 2016 وافق على توسيع التعاون الأمني البحري مع نيودلهي. لكنه أيضاً أقام علاقات أقوى بكثير مع بكين التي بنت جسراً بطول كيلو مترين من المطار إلى داخل العاصمة، وزوّرت صفقة للتجارة الحرة، وحصلت على عقود إيجار طويلة الأجل في عدة جزر صغيرة في المالديف. قال تشيلاني "الصين لديها هذا الطموح - إذا كانت ستحول إحدى الجزر المستأجرة إلى قاعدة عسكرية، فإنها ستفتح جبهة بحرية ضد نيودلهي وتكمل الحصار الاستراتيجي على الهند". دقت أجراس الإنذار بصوت عال في العاصمة الهندية في آب (أغسطس) 2017 عندما رست ثلاث سفن حربية صينية في أحد موانئ المالديف، عابرة ما وصفته نيودلهي بـ "الخط الأحمر"، ما دفع الهند إلى تكثيف اتصالاتها مع المعارضة المالديفية. منذ حالة الطوارئ المعلنة في شباط (فبراير)، التي استمرت 45 يومًا، أصبحت حكومة يمين أكثر عدائية للهند التي دعت إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة لحل الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد. توقفت الحكومة في ماليه عن تجديد أو إصدار تأشيرات لنحو 25 ألفا من الهنود العاملين في المالديف، بما في ذلك المعلمون والأطباء وموظفو الفنادق. وألغيت الدوريات البحرية المشتركة، وطلبت ماليه من نيودلهي استعادة طائرتي هليكوبتر - و48 من الطيارين والمهندسين الهنود المسؤولين عن تشغيل وصيانة الطائرتين - اللتين تم تقديمهما إلى المالديف ظاهرياً لأغراض إنسانية. قال مسؤول هندي "كانت هناك أعمال واضحة للغاية موجهة ضد الهند والمصالح الهندية. مطالبة الهند باستعادة الهدية التي قدمتها يُعَد ازدراءً كبيرا. هذه رسالة قوية للهند". نتائج الانتخابات التي أُعلِنَت الأسبوع الماضي أذهلت كثيرين، خاصةً الرئيس نفسه، نظرا إلى الخطوات التي اتخذها لضمان فوزه. ويشعر بعضهم في ماليه ونيودلهي بالقلق من أن يمين، الذي اعترف بالنتيجة، ربما لا يزال مترددًا في التنحي عن منصبه عندما تنتهي فترة رئاسته في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر). وحتى لو سارت عملية نقل السلطة بسلاسة، فستظل الصين لاعباً مؤثراً في المالديف، نظرا إلى نفوذها المالي في أنحاء البلاد. يقول محللون هنود "إن ما يقدر بنحو 80 في المائة من إجمالي ديون المالديف - ما يعادل نحو 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - مستحقة للصين". على الرغم من أن صليح وغيره من زعماء المعارضة تعهدوا بمراجعة العقود مع الصين، يرى محللون أن المالديف قد تجد صعوبة في التملص من الالتزامات غير المواتية التي قدمتها الحكومة السابقة. يقول نيتين باي، مؤسس مشارك لـ "تاكشاشيلا إنستتيوشن"، وهي مؤسسة فكرية للسياسة العامة "حتى إذا كانت الحكومة الجديدة تريد إعادة التفاوض على هذه الصفقات، فإن العملية لن تكون سهلة". لكنه اعتبر هذه التطورات "أخبارا سارّة" و"فرصة" للهند، "الأمر ليس كما لو أن المالديف سقطت في أحضاننا، لكنها فرصة ثانية لإعادة توطيد نوع من النفوذ في جزر المالديف". يقول مسؤولون في نيودلهي "إنهم لا يعترضون على علاقات المالديف التجارية القوية مع الصين، لكن يجب على ماليه أن تضع في الحسبان مخاوف الهند الأمنية. قال أحد المسؤولين: "نحن لا نريد أي سلطة ثالثة تجلس وتراقب حركات الشحن البحري الخاصة بنا، توقعاتنا هي أن الحكومة الجديدة ستكون مدركة لهذا الأمر (...) تعرف خطوطنا الحمراء".
مشاركة :