في رثاء حمد الفارس أبي زياد

  • 10/7/2018
  • 00:00
  • 56
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 1946 انتقلنا للسكن في منطقة تعرف اليوم بمنطقة المباركية، وكنا نسمع في تلك الفترة أنها تسمى بفريج بو ناشي؛ لأن أكثر من بيت من عائلة بوناشي الكرام يسكنون في تلك المنطقة، كما كانت قهوة بوناشي الشهيرة موجودة فيها. عشت في ذلك الحي 11 عاما، أي قضيت فيه سنوات الطفولة والمراهقة وبداية سن الشباب. كان أول عام التحق بمرحلة الروضة، وهي تعادل المرحلة الابتدائية في السلم التعليمي الحالي. وكان الأطفال في تلك الفترة يلعبون بشوارع الحي، خصوصا أيام العطل لا يذهبون إلى منازلهم الا لتناول الغداء والعشاء. كان بيت والد المرحوم أبي زياد قريبا منا، وكان يكبرني بسنوات قليلة. سرعان ما تعرفت على أطفال الحي وأصبحت بيننا مودة وألفة. في عام 1957 هدمت جميع بيوت الحي؛ لأن الكويت في تلك الفترة كانت تشهد نهضة عمرانية سريعة، وانتقل أهل الفريج إلى المناطق الجديدة، منهم من سكن الشويخ أو الفيحاء أو كيفان أو الشامية وتفرقوا بعد أن كانوا يعيشون في حي واحد. هنا جاء دور المرحوم أبي زياد، وكان شابا شهما كريما في مقتبل العمر. عز عليه أن يتفرق رفاق الطفولة ولا يلتقون فينسى بعضهم بعضا. فاتفق معهم على أن يلتقي معهم كل يوم بعد صلاة العشاء في منزلهم الذي انتقلوا اليه والكائن في منطقة السالمية. ففتح ديوانية يلتقي فيها رفاق الطفولة وقد أصبحوا في سن الشباب يلعبون الورق ويتبادلون الأحاديث ويقدم لهم كرم الضيافة. ولما انتقل أبو زياد إلى النزهة قبل 45 عاما افتتح ديوانية في منزله الجديد وحرص كل الحرص على استمرار العلاقة والمحبة مع أصدقاء طفولته. وهكذا ظل الأصدقاء بفضل هذا الإنسان الطيب الكريم متواصلين متحابين في طفولتهم وشبابهم والشيخوخة لم يفرقهم إلا الموت. فالموت مكتوب على جميع الكائنات «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ» (القصص: 88). «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ» (الجمعة: 8). ومن الصفات التي تقدر لأبي زياد أنه لما أنهى تعليمه في مدرسة المباركية لم يرغب في مواصلة التعليم خارج الكويت بل فضل البقاء مع والده ليتعلم منه تجارة اللؤلؤ والمجوهرات. وعندما افتتح محله الخاص به اشتهر بالصدق والأمانة والنزاهة وتقديم النصيحة لعملائه حتى أصبح مكان ثقة لا على مستوى دولة الكويت، بل على مستوى دول الخليج. فكانت سمعته الطيبة وحسن تعامله مع العملاء وتواضعه من أهم أسباب نجاحه ودفعت العملاء للتهافت على اقتناء مبيعاته. كما حرص كل الحرص على تعليم أبنائه هذه المهنة وحببهم فيها ودربهم عليها. فلا شك أنهم، بإذن الله، قادرون على مواصلة مسيرة والدهم وتحقيق كل ما كان يرجوه منهم فهم شباب طيبون ومثقفون ومن أسرة كريمة. رحمك الله يا أبا زياد برحمته الواسعة، وأنزلك عنده بمنزلة عالية وأسكنك فسيح جناته إنه سميع عليم. واني على يقين اني لم استطع ان اعطيك حقك في هذا الرثاء فمقامك عندنا اكبر من ذلك. د. عبدالمحسن حمادة

مشاركة :