الذكرى الـ 28 لرحيل صاحب الرؤية المستقبلية.. راشد بن سعيد رفيق درب زايد

  • 10/8/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السابع من أكتوبر.. يوم الذكرى السنوية لوفاة أحد العظماء في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، صاحب النظرة الثاقبة، والرؤية المستقبلية التي سبق بها زمانه، فكان يرى ما لا يراه غيره، ونجح في استشراف مستقبل المنطقة، فشارك مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مشوار الاتحاد وفي وضع اللبنات الأساسية لدولة كانت حينها ناشئة وفتية، واليوم بفضل إيمان ويقين الآباء المؤسسين، وجهود وإخلاص الأبناء، أصبحت دولة الإمارات نموذجاً وحدوياً فريداً ليس له نظير في العالم. ولد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم عام 1912، وكانت نشأته في منطقة الشندغة بإمارة دبي، والده الشيخ سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم بن بطي بن سهيل آل مكتوم الفلاسي، والذي تولى مقاليد الحكم في إمارة دبي في العام نفسه الذي ولد فيه ابنه الشيخ راشد عام 1912، واستمر حكمه 46 عاماً في فترة عاش فيها العالم أحداثاً ساخنة للغاية، وكانت تأثيراتها تصل إلى المنطقة بشكل أو بآخر، فكانت أزمة الكساد عام 1929، والحربان العالميتان الأولى والثانية، ولعل أشدها وطأة كانت أزمة انهيار تجارة اللؤلؤ بعد ظهور اللؤلؤ الصناعي. أما والدة الشيخ راشد، فهي الشيخة حصة بنت المر بن حريز الفلاسي، واشتهرت بلقب «أم دبي»، وكان لها مكانة مميزة في قلوب سكان المنطقة لما عرف عنها من كرم وطيب وحسن تعامل مع الناس، وفي ظل تلك النشأة، تخرج الشيخ راشد بن سعيد من مدرسة الحياة، متسلحاً بأفضل الخصال الحميدة، كما تلقى علومه من مدرسة الأحمدية، وتم تعيينه ولياً للعهد عام 1939، وكان من أهم إنجازاته خلال تلك المرحلة افتتاحه مستشفى آل مكتوم عام 1950 والذي كان يتسع لـ38 سريراً، كما تم في عام 1954 افتتاح أول بنك في دبي واشتراطه تعيين المواطنين من أبناء الإمارة كموظفين في البنك، وتولى مقاليد الحكم في الرابع من شهر أكتوبر عام 1958، ومعه انتقلت دبي إلى مرحلة جديدة ومختلفة في تاريخها، وهي التي اشتهرت بكونها منطقة تجارية مرتبطة بالخور، ففي عام 1966 عندما تم اكتشاف النفط، سخر الشيخ راشد الثروة الجديدة لرخاء الإمارة ومواطنيها، من خلال تطوير الخدمات الاجتماعية والصحية، وتم استخدام عوائد النفط في تطوير دبي اقتصادياً من خلال تأسيس الميناء وإنشاء المطار. قبل أن يتولى الشيخ راشد مقاليد الحكم في دبي، كان يرى المستقبل أمامه، وبدأت تتشكل في عقله الباطن تلك الرؤية، وتراءت أمامه الصورة التي كان يريد أن تكون عليها دبي، وبمجرد جلوسه على كرسي الحكم، بدأت العجلة في الدوران ولم تتوقف حتى يومنا هذا، وعرف عن الشيخ راشد نشاطه الدؤوب وجولاته الميدانية، وكان ينظر إلى الأمام دائماً، وكان على رأس أولوياته تثبيت مركز دبي تجارياً، والانتقال به إلى آفاق أكثر اتساعاً تواكب العصر الحاضر والمستقبل. كان العمل متزامناً في تلك المرحلة من حيث تطوير إمارة دبي عمرانياً، وتجارياً، وشهدت بداية فترة حكمه طفرة كبيرة وورشة عمل مستمرة من خلال إنشاء الطرق والمطار والموانئ، وقام بإنشاء الدوائر الحكومية كالبلدية والأراضي والشرطة والقضاء والطيران والجمارك والمحاكم والتلفون والبرق واللاسلكي والكهرباء والمياه، وغيرها من الدوائر. ولترسيخ وتطوير المكانة التجارية لدبي، قام بتوسيع خور دبي وتعميقه بعد أن كانت ضحالة المياه عائقاً أمام الملاحة بالنسبة للسفن التجارية الكبيرة، وبالتالي أصبح خور دبي واحداً من أهم وأفضل الموانئ التجارية والاقتصادية، كما أمر ببناء ميناء راشد، ولغرض إصلاح السفن، تم إنشاء ميناء ضخم منفصل استغرق العمل فيه مدة 7 سنوات ويحتوي على 3 أحواض جافة. وتحولت دبي في عهد الشيخ راشد بن سعيد من إمارة نامية تجارياً إلى واحدة من أهم المراكز التجارية في المنطقة، وأصبحت شرياناً حقيقياً للتجارة العالمية بين الشرق والغرب، وكان من أهم أعماله إلغاء الإجراءات الصعبة والطويلة لإنجاز المعاملات، حيث كان منهجه يميل إلى تسهيل وتيسير الأعمال، وظل هذا المنهج حاضراً حتى يومنا هذا. ولم يكن العمل على تطوير مكانة دبي اقتصادياً وتجارياً منعزلاً عن جهوده الكبيرة، والتي قام بها من أجل توفير سبل الحياة الكريمة للمواطنين، فقام بإنشاء المراكز الصحية وتوفير المساكن الشعبية للمواطنين محدودي الدخل، وتم بناء العيادات والمستشفيات ودور رعاية الطفولة وكبار السن، كما كان حريصاً على إنشاء شبكة الطرق، والتي كانت معبدة وتربط بين دبي وبقية الإمارات. وكانت علاقة الشيخ راشد قوية ووثيقة مع العديد من حكام العرب والعالم، ولكن كانت علاقته الأقوى والأهم تلك التي جمعته مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي التي تولدت منها القناعة إلى ضرورة قيام وحدة اندماجية بين إمارات الساحل المتصالحة، وتمكن الشيخان زايد وراشد من الدعوة إلى اجتماع لحكام الإمارات في قصر الضيافة بدبي عام 1965، وعملا معاً على إصدار وثيقة الوحدة بين أبوظبي ودبي عام 1968. وفي الثاني من ديسمبر عام 1971، تم إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان رئيسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكان نائب رئيس الدولة هو المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وبدأ الاثنان، ومعهما بقية حكام الإمارات، في تثبيت أركان الدولة الوليدة وترسيخ مكانتها بين دول العالم، وهو الذي أسفر عن أنجح تجربة وحدوية في العالم. وفي أبريل عام 1979، تولى الشيخ راشد بن سعيد منصب رئيس الوزراء، وفي أول كلمة له بعد إعلانه التشكيل الوزاري الجديد، قال: «نحن لا نعد بتحقيق المعجزات، ولكن سنبذل قصارى جهدنا للسير باتحادنا قدماً في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يتطلب مشاركة المواطنين، كل في اختصاصه وميدان عمله، في تحمل المسؤولية وأداء الواجب». وكان الشيخ راشد متابعاً لأدق تفاصيل العمل في مختلف المجالات، وشهدت تلك الفترة تطوراً ملحوظاً في العمل الحكومي بشتى القطاعات، وتم تشييد المستشفيات وتزويدها بأحدث الأجهزة والتقنيات، وتم بناء المدارس والمساكن الشعبية، كما تم تعمير القرى والمناطق النائية، وربط المدن والقرى بشبكة طرق متطورة وحديثة، وغيرها من المنشآت والبنى التحتية والمرافق والحدائق والمتنزهات. وكان للمغفور له الشيخ راشد إسهامات وأيادٍ بيضاء على الحركة الرياضية في مختلف الإمارات، ولا تزال هناك ملاعب تحمل اسمه، وخلال تلك الفترة تم تأسيس العديد من المرافق الرياضية في الأندية والمؤسسات، وتم إنشاء الصالات المغلقة. وفي السابع من أكتوبر عام 1990، انتقل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى ذمة الله بعد مسيرة حافلة من العمل الوطني المخلص، وسنوات حياته التي أفناها في خدمة وطنه ومواطنيه، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مقدمة مشيعي جثمان الفقيد، وقال عنه: «كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وأنه سيبقى، رحمه الله، خالداً في القلوب والمقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال».

مشاركة :