كان حضور فعاليات مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، على موعد مختلف، مساء أول من أمس، عن سائر فعالياتها الثقافية والفنية المختلفة، حيث كان الحدث هو ندوة الفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي، التي جاءت يعنوان (ربع قرن على رحيل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم)، وهي المناسبة التي أتاحت إبحاراً مختلفاً في بعض السمات القيادية، وأيضاً الإنسانية في شخصية مؤسس نهضة دبي الحديثة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. سيرة وتعريف رحبت الدكتورة فاطمة الصايغ، في بداية الندوة، بالفريق ضاحي خلفان تميم، وقدمت تعريفاً بسيرته، حيث ولد عام 1951 في دبي، وحصل على الدبلوم في العلوم الشرطية من كلية الشرطة الملكية في الأردن عام 1970، ثم ابتعث في دراسة تخصصية في مجال المباحث الجنائية، وحصل على دورات في التفاوض. بدأ حياته ضابطاً للشرطة في شرطة دبي، ثم مديراً للشؤون الإدارية والمالية. وفي عام 1979 عيّن نائباً لقائد عام شرطة دبي، ثم قائداً لها عام 1980. وأضافت الصايغ أن الفريق ضاحي خلفان ألّف عدداً من الكتب في مجال العمل الشرطي، هي: نظام النقاط السوداء وأثره على فعالية الضبط المروري، والشرطة وحقوق الإنسان، ودور الشرطة في علاج وتأهيل المدمنين التائبين، وغيرها من الكتب. رجلان وقلب واحد وصف الفريق ضاحي خلفان علاقة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد بأخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، بأنهما كانا بمثابة رجلين على ظهر قلب رجل واحد. وأحال خلفان لبعض المواقف، حيث أشار إلى حرص الشيخ راشد بن سعيد على استقبال الشيخ زايد بن سلطان، في أرض المطار كلما غاب عن الدولة. وتابع: تساءل البعض عن حرص المغفور له على استقبال الشيخ زايد، بما في ذلك عودته من السفريات الخاصة، فضلاً عن الرسمية، فكان تبرير المغفور له أنه هنا يستقبل أخاً، في مقابل أنه في الأولى يستقبل رئيس الدولة عائداً من مهمة رسمية. وأشار خلفان إلى أن الشيخ راشد كان على قناعة بأن زايد كان رجل الاتحاد وقائده، وأنه الرجل الذي يستطيع توحيد الجميع على قيادته وحكمه، وبخبرته وحكمته ستسير سفينة الاتحاد. حضور حضر الندوة عدد كبير من الشخصيات، يتقدمهم وزير دولة عبدالله غباش، وسفير الإمارات لدى الأردن، بلال البدور، والعضو المنتدب لمؤسسة محمد بن راشد، جمال بن حويرب، والأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الدكتور محمد عبدالله المطوع، والمستشار الثقافي في هيئة دبي للثقافة والفنون، الدكتور صلاح القاسم، وعضو مجلس الأمناء في مؤسسة العويس الثقافية، عبدالحميد أحمد، ورئيس مجلس العويس الثقافي، علي بن حميد، والكثير من الشخصيات الثقافية والفكرية والإعلامية في الدولة. حكاية روى ضاحي خلفان، خلال الندوة، واقعة شخصية مع المغفور له الشيخ راشد، قائلاً: كان المغفور له في سيارته عندما شاهد شرطياً يتحدث مع سائق شاحنة تحمل خضاراً آتية من سورية، فاعتقد الشيخ راشد أن سائق الشاحنة ارتكب مخالفة والشرطي سيغرّمه، غير أن الشرطي طلب من سائق الشاحنة أن يتبعه، وسار المغفور له بسيارته خلفهما اعتقاداً منه أن الشرطي سيقود الشاحنة إلى الحجز، ثم اكتشف أن الشرطي ذهب بالشاحنة إلى سوق الخضار، لأن السائق ضلّ الطريق وكان يطلب من الشرطي أن يدلّه وعلى الرغم من الطابع الرسمي الذي كان من الممكن أن تسير على منواله الندوة، إلا أن شخصية الفريق ضاحي خلفان، فرضت ذاتها من خلال إضفاء الطابع الحميمي على الحدث، فباتت أقرب إلى شهادات رجل عاصر عن قرب المغفور له الشيخ راشد، وهو الأمر الذي أشار إليه خلفان في أكثر من سياق، وهو أن بعض حديثه في هذا المقال هو بمثابة شهادة للتاريخ، يمكن التوثق بشكل أكبر من معلوماتها من شهود آخرين لايزالون أحياء. من هنا، فإن الندوة تجاوزت مجرد القراءة في كتاب، أو ذكر معلومات معروفة ومثبتة في التاريخ الحديث لإمارة دبي، لتناول مواقف بعينها، رآها خلفان أنها كانت بمثابة المؤشر الدال على فكر المغفور له، ونسقه القيمي الذي انسحب على أسلوب حكم المغفور له عموماً. ومن الشهادات التي أوردها خلفان موقف بدا شديد الأهمية، وهو بناؤه المركز التجاري، في موقعه الحالي، وكان في وقت مبكر جدأً من النهضة التجارية والعمرانية، مشيراً إلى أن الكثيرين من المتابعين للأمر اندهشوا من إقدام حاكم دبي على بناء مركز تجاري في منطقة خالية من العمران والبناء، وهو الموقف الذي سيطر أيضاً على بعض التجار أيضاً، قبل أن تكشف السنون والأحداث التالية بعد نظر المغفور له، واستشرافه التاريخ والتطور الاقتصادي بصورة مدهشة. توقّف ضاحي خلفان بشكل رئيس عند إنجاز ميناء جبل علي، وإصراره على تحقيق تلك الفكرة التي رآها البعض حلماً، وحكم عليها البعض الآخر بالفشل أو عدم الجدوى، من قبل إطلاقها، لكنه كان شديد الإيمان والتحمس والإصرار على إتمامها، متحلياً ببعد نظر سديد. ومن الخيارات الاستراتيجية التي اعتمدها المغفور له وأوردها خلفان هو أنه عمد إلى تقوية ظهور العقاريين الإماراتيين وتقوية شوكتهم، عبر استراتيجية هدفت لئلا يكونوا اتكاليين على الدعم الحكومي، وهو الأمر الذي جعلهم أكثر تميزاً عن نظرائهم في دول مجاورة، مشيراً إلى أن نتاج ذلك يتبدى أيضاً في الوقت الحاضر الذي تنفرد فيه دبي في مجال التشييد العمراني. وأشار خلفان إلى أن من فكر المغفور له الاعتماد على التجارة الحرة، وأن دبي سوقاً مفتوحة للجميع، ما دام الأمر متكئ على مبدأ احترام القانون والشفافية. تسامح المغفور له مع الجميع، حتى في سياق المعاملات التجارية، كان أحد محاور الندوة، حيث أشار خلفان إلى أن الشيخ راشد بن سعيد رفض اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل، حينما اشتكى له أصحاب شركات الشحن الإماراتية بأنه لا يتم السماح لهم في سورية بتحميل بضائع عبر الموانئ البرية، بعد أن يقوموا بتفريغ شحناتهم، ويضطرون للعودة دون حمولات، ما يزيد من أسعار الشحن، ويفوّت عليهم فرص ربح، وطالبوا بعدم السماح للشاحنات السورية التي تفرغ حمولاتها في دبي، بالمعاملة بالمثل، لكن المغفور له أشار لهم إلى أننا غير مضطرين للتعامل بالمثل، لاسيما أن هذا الأمر يعم ببعض الخير على الأشقاء، وقد أنعم الله علينا بالخير الوفير. الزهد والتواضع محطتان مهمتان في حياة راشد، وأكد خلفان أن المغفور له لم يكن يحفل بالمبالغة في أي أمر من الأمور، بما في ذلك مائدة طعامه، مضيفاً: مائدة راشد بن سعيد كانت هي نفسها مائدة أي شخص آخر من المواطنين، وكذلك كان ملبسه، وهذه هي فلسفته الخاصة بأنه واحد من ناسه وجيرانه، لا يعمد إلى أن يتميز عنهم في هذه الأمور الشكلية على الإطلاق. ومن باب التواضع أيضاً وعدم الاعتداد بالرأي الواحد، أشار خلفان إلى أن المغفور له كان يستمع جيداً لمختلف الآراء، ليأخذ بعد ذلك بالأصوب منها، ويفتح باب النقاش للجميع، ويعلم باتجاهات الناس وآرائهم في القضايا المطروحة أمام المجتمع، مثل مجانية التعليم والخدمات الصحية، وغيرها من الأمور. البعد الاجتماعي أيضاً من الأمور التي عرج عليها نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي، في الندوة، حيث أشار إلى المشروع السكني العملاق الذي أمر ببنائه سموه وخُصص لأصحاب الدخل المحدود من الوافدين وأسرهم، ممن لا يمتلكون قدرة على تأجير مساكن ذات إيجارات مرتفعة، لافتاً إلى أن البعد الاجتماعي في الاستثمار، وبعد عقود طويلة من التفاته له، بات ينادى به الآن، في ظل رسالة مفادها أن الاستثمار العقاري يجب أن يراعي مختلف شرائح المجتمع. وأكد خلفان أن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد قد تمكن من غرس مفاهيم ونسق قيمية بالغة الرقي والأصالة، ليس في أبنائه فقط، بل في المحيطين به، وفي أبناء الوطن قاطبة من خلال النموذج والممارسة العملية، وليس التنظير، لافتاً إلى التزامه البالغ بدقة المواعيد، وإكرام الضيف، بما في ذلك ضيوف الإمارة من عموم الناس، وحثه كل المؤسسات، بما فيها شرطة دبي وأفرادها، بأن يكونوا في خدمة الناس، وكل ذلك عبر مواقف عملية يقوم بها ويرويها بنفسه كي تكون بمثابة القاعدة التي يحث على تطبيقها. وتطرّق ضاحي خلفان إلى إنجازات المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، وبروزه كشخصية قيادية، حيث كان الراحل الكبير على قناعة حقيقية بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة سيكون أفضل إذا توحدت، فعمل مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي في فبراير عام 1968م. وفي العاشر من يوليو عام 1971 وجّه الشيخ راشد دعوة من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أُعلن عنه رسمياً في 2 ديسمبر من عام 1971، حيث تولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء. شاهد من الندوة عقب الندوة والسماح للحضور بالمداخلات وقف أحد رجال الأعمال الوافدين ليروي بأنه طلب من الشيخ راشد بن سعيد أرضاً لإقامة بعض المشروعات التجارية، فنصحه بأن يتخيّر مساحة من الأرض الواقعة بعد مبنى المركز التجاري. وأضاف: قلت للمغفور له، حينها، إنني أريد أرضاً في ديرة، وليس في الصحراء، لكن المغفور له كرّر نصيحته، مؤكداً لي أن تلك المنطقة سوف تكون مركزاً مهماً للتجارة والأعمال والنشاط التجاري القوي في دبي، وهو ما لم أدركه حينها، لكنه تحقّق ببعد نظر المغفور له واستشرافه للمستقبل.
مشاركة :