(1) ** «خفضُ التوقعات» نهجٌ ذاتيٌ يتبعه المرءُ مع نفسه ويجدر به تعليمُه لمن تحت رعايته كي يتصالحوا مع يومهم حين لا يبلغ مستوى أمنياتهم، ومع غدهم الذي تُنبئُ قراءتُه بما هو أدنى. ** لم يتجاوز صاحبكم هذا الأسلوب مع نفسه ومع من اصطفاه من خاصته، وربما فاتته رؤية نجوم الطامحين وفضاءات الطامعين لكنه أنس باقتعاده أرضًا في منتصف المسافة بين اليباب والسحاب، وراق له الأمر حتى صارت ساحتَه ومساحتَه لا يرضى بها بديلًا ولو وجد «ما» أو «من» يدفعه إلى ما يعلوها؛ فهو من جيلٍ عاش حياته بتصاعديةٍ ورضا جعلته الجيل الأكثر حظًا بين من سبقه ومن لحقه، وقديمًا أشار إلى أنه ومُزامنيه «آخِرُ» الأجيال المكافحة و»أولُ» الأجيال المترفة؛ فلم يعيشوا شظف الأولين ونعِموا ببعض ترف الأخيرين، وعرفوا بيوتَ الطين الوادعة التي يضيء ليلُها بأنوار أهلها ويعبق نهارُها بعرَقهم. ** ليست التجربة الشخصية مهمةً هنا إلا بمقدار ما نعي الإعداد النفسيَّ لمتغيّرات الزمن التي لا تستأذننا، وقد ينتكس فيبتئس من لم يضعها في مؤشرات حياته، وبخاصةٍ من أجيالٍ تظن الأرض لا تدور، والأمرُ لا يقف عند «الماديات» فأهمُّ منها المعنوياتُ والروحانياتُ، ومن يربعْ على نفسه في الحب والكرْه والإقبال والإدبار والتنطّع والتفلت يجدْ في الحياة ما يفتح منافذ لشمسٍ تغيم ولا تغيب وتشرق فلا تحرق. ** لا يبدو هذا واقعَ شباب زمننا ممن يمثّلون النسبة الأكبر في التركيبة السكانية العربية الساكنين في مناخات التطرف الشعوري والشِّعاري، وبمنأىً عن المؤدلجين والمبرمجين فإن معظم الشباب يعتمرون الحدةَ في مواقفهم من القضايا المثارة في أفلاكهم سواء أعنتهم بصورة مباشرة أم تداخلوا فيها دون معرفة، وهم جاهزون ليُغنُّوا ويؤبِّنوا ويفرحوا ويترحوا ويسبُّوا ويمدحوا ويتوقعوا ويتراجعوا في صفحاتٍ رقميةٍ أتاحت لهم عرض مشاعرهم دون تجميلٍ أو تجمل، بل إن فيهم من أثَّر في الكبار فصاروا مثلهم غير عابئين بفوارق المرحلة العمرية والذهنية وخبراتها. ** تشابكت الصور الصادقة بالصادمة واحتار الجيلُ المتطلع: كيف يرتب يومَه وما الذي يُضمره غدُه، وعمَّت لغة الضجر مواقفهم القولية والفعلية دون أن يجدوا نماذجَ يحتكمون إليها ليعُوا منها أهمية «عدم رفع الأسقف» كما ضرر خفضها لتسير الحياة بهم عصفًا ولطفًا وهناءً وشقاءَ. (2) ** قبل أعوام أبلغه شاب صغير لم يجاوز المرحلة الثانوية أن في مشروعاته «الاستثمارية» فتحَ محل نظارات للأطفال الذين يؤذون عيونهم بالتحديق في الأجهزة «الكفِّية» و»اللوحية» دون مراعاة لعوامل الصحة البصرية، وأخبره آخر أن الحاجة ملحة لفتح عيادات نفسية للفتيان والفتيات فقد ساد بينهم القلق والأرق، وكذا تمضي الأيام ببعضنا بين ضعف البصر وضباب البصيرة. (3) ** الزمنُ يلدُ مشروعاتِه ومُشرّعيه.
مشاركة :