ماذا يريد أوباما وماذا تريد إسرائيل؟

  • 9/22/2013
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

حديث العالم كله اليوم، وليس حديث السوريين والعرب فقط، هو الضربة العسكرية الأميركية المتوقعة لنظام بشار الأسد بعد اتهامه بارتكاب مجزرة الكيماوي في الغوطة. ولكن ما هو سر هذا الانقلاب السريع والمفاجئ، وبمئة وثمانين درجة، في الموقفين الأميركي والأوروبي بعد أن كان الطـرفان يستبعدان أي عمل عسكري ضد هذا النظام؟ لئلا نضيع في متاهات التفسيرات ولا نفقد بوصلة الاتجاه الصحيح في محاولة فهم هذا الانقلاب المفاجئ، علينا أن نحدد نقطة انطلاق السياسة الغربية في ما يـخـص الشـرق الأوسـط، فهذه النقطة كانت وما زالت، ويبدو أنها ستبقى إلى أمد غير محدود، إسـرائـيل. صحيح أن الغرب، وحتى الشرق، له مصالحه الخاصة أيضاً، لكنه لا يمكن أن يقدم على عمل يضر بمصالح الدولة العبرية، فما بالك بعمل يهدد أمنها وأمانها؟ هذا من جهة، ومن جـهة ثـانـية لـم يعـد يخـفى على العـارفـين أن «الـدولـة العـلوية» التي أسستها ورعتها فرنسا على الأرض السورية بعد جـلائـها عنها في القــرن الماضـي، قد خـرجـت إلـى الحـياة، لا بسبب شـفقتـها على الـعلوييـن ولا تعاطفاً معهــم ومع قـصة «الـظـلم الاجتماعي» الذي تعرضوا له لقرون، بل لأنها، ومن خـلال تجربة احتلالها سورية لربع قرن، لم تجد أقلية أفضل منهم مسـتعدة لحماية إسـرائيـل المـسـتقبلية، وفي الـوقت نفـسه كارهـة للـشـعب الســـوري، وذلـك وفق ما أتى على لسانهم في الوثـيقة الفـرنـسـية الـشـهيرة عام 1936 والمرسـلة من وجهائهم إلى وزارة خارجية الدولة المستعمرة. كل هذا يفسر تخاذل الغرب في ما يخص الثورة السورية، وإعطاءه نظام الأسد المهل بالجملة، عله يتمكن من إخماد تلك الثورة ليتم طي صفحتها في ما بعد بإحدى طرق «تبويس الشوارب وعفا الله عما مضى والمسامح كريم والحي أفضل من الميت»، وما إلى ذلك. لكن من الواضح أن صمود الشعب السوري وتصميمه على التخلص من هذا النظام أوصل تلك المهل والمحاولات إلى طريق مسدود. نستنتج مما سبق أن الضربة العسكرية المتوقعة ليست لإزالة النظام بالتأكيد، والغرب لا يخفي ذلك أصلاً، ولما تأخرت لسنتين ونصف السنة أيضاً، فاستشهاد أكثر من مئة ألف شخص منـذ انـدلاع الثورة هو أسوأ بكثير من استشهاد 1500 في مجزرة الغوطة، والـذبح بالسكـاكين والقصف بالسكود ليس أرحم من الكيماوي. هذا الاسـتنتاج يـعـيدنا إلى الـسـؤال: ماذا يريد أوباما إذاً؟ جـوهر الـمـوضـوع هـنا، وهـو أن لا إسرائيل ولا الغرب لـهما مصلحة في قـيام دولـة ديـمـوقراطية أو «جـهادية» في الـشـرق الأوسـط، خصوصاً على حدود «الدولة العـبرية». أي أن هذه الدول يـجـب أن تبـقـى تحت حكم البـسطار العسكري، أو أن تكون مـدمـرة وضعيـفة وفـقـيرة، بحيث بالـكاد تـستطيع الاستمرار في الحياة. وقد لاحـظنا كيف الـتـف الغـرب وحـلفـاؤه الإقـليـميون، بما فـيهم إسـرائـيل، على الثـورة المصرية التي أتت بالديموقراطية المتمثلة بالرئيس المنتخب، ثم أمروا الجيش بالإطاحة به فوراً ومن دون تأخـير حين انقـلب إلى رئيـس «جهادي» مباركاً الجهاد في سورية. والوضع نفسه في سورية، فقد أقـلـق الغـرب وإسـرائـيل أمـران: الأول احـتمال انهـيار النـظام الأمـني العسـكري الــسوري وهو الذي قام بمهماته على أكمل وجه لأكثر من أربعـة عقود، وإقـامة دولـة ديموقراطية حرة على أنقاضه تطالب بحقوق الشعب السوري. والثاني بروز الكتائب ذات الطابع الجهادي على الساحة وتحقيقها انتصارات كبيرة على النظام، واستمرار تدفق الآلاف من المجاهدين العرب وغير العرب لنصرة الثورة السورية بعد أن تدخلت إيران بصورة مباشرة وعلنية إلى جانب نظام الأسد، وأمرت ميلـيـشياتهـا العربية أيضاً بالتدخل مثل «حزب الله» اللبناني وقرينه العراقي وحـوثـيـي اليمن. وآخـر ما تريـده إسرائـيل هـو دولـة ديموقراطية أو جهادية على حدودها،لأن أي دولة من هاتين الدولتين ستطالب باسترجاع الجولان المحتل الذي لا تريد التخلي عنه. من كل هـذا نســتنتج أن الــضـربـة الأمـيـركـية الـمتـوقـعة يـمـكن أن تزيل عائـلة الأســد من الحـكم، بالقــوة أو عـن طــريق «جـنيـف 2»، لكـن غير المـسـموح لها أن تـزيل الـنظام الأمنـي الديكتــاتـوري. أمـا أسـوأ سـينـاريـو يـمكن أن يـحدث فهو أن تكـون الـضربة تأديـبية لحـفظ ماء وجـه أوبـامـا خــصــوصـاً وأمـيـركا عـمـومـاً. ذلك أن هكذا ضربة سـترتـد نقـمة علـى الـشـعب الــسـوري الأعـزل، وهــا هـو النظام قد بدأ فـعلاً باستعمال المدنيين والمعـتـقلين كـدروع بـشــرية في مراكزه الأمـنية التي يـتـوقع قـصـفهـا. وهـو سـيعود وينتقم منهم شر انتـقام بعد انـتهاء الضربة فيمـا إذا لم يـتم الإجــهاز عليه خـلالـها. بصـراحـة لـم أسـمع بمن هو جـاد بمـهاجمة خـصم، يـعطيه لائـحة بأهـداف الهـجوم وتوقيته. ولكن دعونا لا ننسى أيضاً أنه حتى الدول العظمى تخطئ بحساباتها أحياناً، وأن إرادة الشعوب هي التي تنتصر في نهاية المطاف.

مشاركة :