نورا الوتاني تبدع في "ليلة انتشى فيها القمر"

  • 10/13/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في المجموعة القصصية "ليلة انتشى فيها القمر" لنورا الورتاني يتخلل السرد الإخباري تصوير لمشاهد مرئية تشكيلية تعبر عن بواطن الشخصيات، وعن الأفكار التي ترتكز عليها النصوص القصصية، ففي توظيفها لمواضيع الفن التشكيلي على غرار البورتريه والصور الثابتة والتمثال والمشاهد الطبيعية النابضة بروح من أبدعها فنا، تتوزع متون السرد وتتراوح بين الحكائي والبصري وتنتج دلالات متعددة. وبذلك اتخذت الصورة التشكيلية حيزا مهما في إنتاج المعاني، وإن بدت مختصرة، ذلك أن ألوانها وأشكالها تتجاوز الصور المرئية المحسوسة إلى التعبير عن ذات متوزعة بين شخصيات قصصية مروية منعكسة تدل الواحدة على الأخرى، تلتقي في شخصية مبدعة النصوص وهي ترسم حالاتها النفسية وأفكارها لتتحول إلى نصوص قصصية في فضاءات واقعية وتخييلية محسوسة، ولكنها تستثير الأحاسيس والأحلام كلما قربت الصور التشكيلية من المتلقي وانسجمت مفردات اللون والشكل: "انسابت مع الماء، رفعت بصرها فإذا الزرقة تملا المكان.. رداء سماوي انسدل. تنيره بهرة بيضاء بدات تشع في قلب الكوة الكونية". وتستخدم الأزرق كلون أساسي وهو لون التأمل والحقيقة والمعرفة، والأبيض كلون محايد يعبر عن اليقين، الوان تنم عن تجربة حدسية روحية وجودية، ترتفع عن الأرضي إلى السماوي وإلى الإشراقات الصوفية. وتتدرج بنا الصورة من سطحها المنظور إلى عمقها اللامرئي. والصورة ملونة بالضوء عبر استخدام أفعال تنير، تشع رفعت البصر، وهي تعكس انتشار الضوء في غياب الأجسام العاتمة وتصور انعكاس زرقة السماء في وسط شفاف فتشكل في صورة رداء سماوي منسدل. كما ترسم الضوء التعبيري المنعكس في الماء نورا الوتاني أرسم الاشياء حيث أفكر فيها ولا أراها الصورة التشكيلية قد تحملنا إلى الأعماق الأكثر سحرا، إلى الحياة الداخلية المستترة، إلى جوهر الأشياء، والصورة في النص الإبداعي محملة بالألوان بحثا عن أبعاد جمالية من خلال استخدام الالوان وتوزيعها لتعبر عن طاقة ما أو عن فكرة ما لشحن النص بدلالات خفية. "صراع أبدي بين الأرض والسماء ، تلقي في آخره الشمس بالأبيض مستسلمة، وتبعثر جدائلها على هذا اليم الفسيح ... فتختلط الحمرة اللاسعة بالزرقة الرحيمة". حمرة لاسعة حادة تثير الانفعال، وزرقة تشع هدوءا وشعورا دينيا ونورا سماويا، فالصراع يحسم لفائدة الروح ضد واقع يبدو دمويا محتقنا، ولكن ضوء البصيرة هو الذي يحسم الصراع وان اختلطت الالوان فهي لا تجرد العقل من نور الحدس ولا تغلب نزعة التكنولوجيا والالة الشريرة المؤدية للحروب. والصورة البصرية قد تكون شبيهة بالواقع، والتفرس فيه كما هو بحثا عن فكرة أو حقيقة أو دهشة، فالصورة لها مادة حسية ولكنها تعبر عن رؤية فنية. "في رواق كممر لبقية الأجنحة مدد على رافعتين من الصخر احتل عرض الحائط فوق الأرض بذ راع، رفع رأسه قليلا فوق صخرة من المرمر.." فماذا نفهم من لوحة العملاق الحجري الممدد على رافعتين من الصخر ورفع رأسه فوق صخرة من المرمر، وقد حضرت ألوان الصخر والمرمر، وهي تلعب على الألوان والأشكال الضخمة الصلبة، ما القصد من تحول الإنسان إلى كائن حجري ضخم ممدد على الصخر؟! الا يحيل ذلك إلى تشيء الإنسان، إلى تحجر أبعاده العاطفية والانسانية، إلى جمود العقل وغياب قدرته على التفكير والتغيير، أو عدم القدرة على التحرر من الأنساق المتحجرة؟ وتستخدم القاصة الأسلوب الواقعي في تشكيل الصورة / البورتريه، أي صورة صامتة بكل تفاصيلها، ولكنها تستثير الأحاسيس والأفكار واستخدام الأفعال قد يشكل تفاصيل الصورة الثابتة (تسمرت، ارتبكت، انكمشت)، النظرة وهي حدقة الإحساس (جالت بنظراتها العميقة المكان)، الحركة ثابتة (جلسة قرفصائية، عانقت فيها رجليها) كما تتوزع أحجام اللوحة الدكة الرخامية داخل المقصورة، صحن المكان) مكان شبه مغلق ولكنه يهندس فضاءات منغلقة منفتحة على صحن جامع. "تسمرت على دكة رخامية، داخل المقصورة المعجعجة بضباب شاف دافئ يسمح بمرور جزء من خيوط ضوء تسلل من صحن المكان. ارتبكت وانكمشت في جلسة قرفصائية، عانقت فيها رجليها متأملة ما حولها. جالت بنظراتها العميقة المكان، أركان وأبواب وجدران". تتشكل الصورة البصرية عبر لغة لها مرجعيات فنية وفلسفية تحيل إلى الحرية وكسر القيود، صور لها موسيقاها وأصواتها، فالحركة المنطلقة تفرض صوتا حرا. "أيديهم تخط في الفضاء لوحة فنية، فكت قيودهم وحررت خوفهم وتلونت تحت خطاهم وتشكلت من تموجات هتافهم، لوحة تناغمت فيها أنفاسهما فأفرزت طاقة". إن الصورة سيكولوجية بالأساس ترسم صورة الانسان الحر / نقيض لصورة التمثال، القادر على الحركة وعلى رفع الصوت، مشحونة بطاقة الحياة. ليخط لوحة فنية مضيئة عبارة على جسم شفاف ينعكس فيه الضوء وتغيب عنه الظلال إنه يكشف خفايا الإنسان في غياب الظل الداكن والخيال القاتم. والصورة التشكيلية في السرد لا تتجرد من صبغتها البيانية عبر الاستعارة والتشبيه بل تعدل الصورة المرئية وتعيد رسمها، وخلق علاقات جديدة بين عناصر المشهد البصري، لتحويل بعض العناصر المرئية إلى لامرئية أو تشكيلة مجازية، لبعث روح جديدة في الفضاء الحسي الواقعي. امّحت الجدران ضوءا فضاءات واقعية وتخييلية محسوسة، "وراء الأبنية في الشقق والغرف، امّحت الجدران ضوءا، تخيل ان الضوء يخالف قانونه، يخترق الجدران وفق خط ملتو، كل شيء رأى". إن الأجسام العاتمة التي اخترقها الضوء تبرز القدرة على الانطلاق وهدم الحواجز ومحو الأشكال الهندسية العازلة، إنه الضوء يقابله النور، أو كما يقول بيكاسو "إنني أرسم الاشياء حيث أفكر فيها ولا أراها"، فالضوء له أهمية في غياب مصادر الإضاءة الطبيعية والاصطناعية. ما يمكن قوله إن نورة الورتاني ادمجت المشهد البصري المضيء في المتن السردي ليكشف أكثر تفاصيل الفكرة وتصاميم الواقع وصورة الإنسان عبر انعكاس أحاسيسه على الأوساط الشفافة أو المتشكلة من مادة صلبة، لتنفث فيه الروح كـ بيجماليون الذي تحول من تمثال إلى إنسان، وقد تجسدت هذه الفكرة واتضحت في قصة من قصص المجموعة

مشاركة :