نحن لا نزرع الشوك رواية الكاتب المصري الشهير يوسف السباعي التي تحولت إلى فيلم يعتبر من كلاسيكيات السينما العربية.. نحن لا نزرع الشوك رواية تريد القول إن الإنسان ابن ظرفه ومصيره يتحكم به لا العكس.. نحن لا نزرع الشوك فكرة قد تبدو اليوم غاية في الإرباك والتعقيد في ظل ما يحدث في عالمنا العربي. من الذي زرع كل هذا الشوك الذي بات مجرد التفكير فيه سببا كافيا للموت؟ من أين أتى كل هذا الخراب الجارح الذي بدأ يطفو ويظهر في مجتمعاتنا وينمو ويمتد ليشمل الجميع؟ إذ إن من أهم ما أنتجته سنوات ما اصطلح على تسميته (الربيع العربي) هو إسقاط ورقة التوت عن عورة المجتمع العربي وتعريته بالكامل وكشف كل أمراضه وعلله، من التغييب الكامل لشريحة كبيرة جدا من هذا المجتمع إلى التجهيل إلى الفقر المولد للتخلف إلى الطائفية التي تفتك بتاريخ هذه المجتمعات إلى المناطقية والعشائرية والعائلية والطبقية إلى الفاشية والعنصرية، إلى نزعة الشر الطاغية والمتفوقة بجدارة على ضدها، نزعة الخير، إلى استسهال القتل تحت مسميات عديدة واعتباره واجبا شرعيا أو ايديولوجيا، إلى فائض الكراهية والقدرة المفاجئة على الحقد، إلى انعدام لغة الحوار وصوت العقل، إلى الخوف من الآخر الجار والقريب وابن البلد الواحد واعتباره فجأة عدوا تاريخيا ومهددا للوجود، إلى الفردانية والأنانية وعدم الاكتراث إلا بما يصب في خدمة المصلحة الشخصية أو في خدمة العقيدة والمذهب والأيديولوجيا، إلى التمسك بالماضي والتوقف عنده واعتباره صفوة ما انتجته البشرية دون القدرة على تطويره والارتقاء به ومعه، إلى اعتبار الناموس الإنساني ليس أكثر من حالة رومانسية لا معنى لها، إلى استعلاء النخب الثقافية والفكرية والسياسية وانعدام قدرتها على التواصل مع مجتمعاتها وخروجها من قواقعها المحكمة والسميكة، إلى أنظمة تستدعي أقذر الخيالات الإجرامية البشرية ضد شعوبها، أنظمة تجاوزت حتى صفة الاستبداد لتنتج صفات خاصة بها لم تعرف سابقا في التاريخ البشري، أنظمة أنتجت بدورها معارضين لها يتشبهون بها ويستعيرون حيثياتها وتفاصيلها بما يجعل هذه المجتمعات عاجزة عن إنتاج أي فعل حضاري أو إنساني يساهم في صياغة مستقبل جديد للبشرية، والأهم عاجزة عن إنتاج هوية محددة وواضحة وممتدة ورحبة تميز هذه المجموعات البشرية وتجعل منها جزءا من المجموع الإنساني الكلي يشار إليه بصفته كينونة كبيرة غنية بتنوعها الخلاق لا بخلافاتها القاتلة. من أوصلنا نحن العرب إلى ما وصلنا إليه من حال تكاد تقترب من الانحطاط لولا القليل؟ بديهي أنه من السهل جدا إلقاء اللوم على الآخرين! الآخرون البعيدون الذين يتآمرون علينا وعلى تاريخنا وبلداننا وثقافتنا، هكذا نستطيع الركون إلى ضمائرنا النائمة أنها لن تستيقظ إذ لا شيء يؤرقها طالما من يفعل بنا هذا لا يمكننا مجابهته!! بديهي أيضأ أن نلقي اللوم على أنظمة الاستبداد التي ابتلينا بها التي حولتنا إلى مجرد أشكال بشرية تعيش على ما تقرر لها هذه الأنظمة بينما عقولنا محفوظة في أكياس بلاستيكية ومخبأة في أسفل خزائن الملابس!! بديهي أيضا أن نتوكل ونقول هذا هو القضاء والقدر (وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) ذلك أيضا كفيل أن يعفي ضمائرنا من الوخز اليومي!! بديهي كل هذا وحقيقي لكن للحقيقة وجه آخر أيضا نحاول إخفاءه، هو أننا خلال عقود طويلة استمرأنا لعب دور الضحايا واستمرأنا المظلومية التي نعيشها وتغاضينا عن دورنا ومسؤوليتنا بما وصلنا إليه واكتفينا بالتشكي ومراقبة ما يحدث وفي أحيان كثيرة المشاركة في تكريس هذا الخراب، ما من مستبد يستبد إن وجد من يقاومه، ما من مؤامرة تسيطر إن لم يجد صناعها شرائح بشرية تساعدهم أو تتوجه إليهم بها، حتى نعمة العقل التي وهبها الله للبشر استغنينا عنها واستعرنا ما يناسب كسل أرواحنا وعجزنا المصطنع عن الفعل والتطور والنمو، كان لنا نحن البشر الذين عشنا طويلا عقود الاستبداد، دور كبير في مشهد الخراب الذي نعيشه الآن وفي مشهد الخراب المقبل إلى مستقبل أبنائنا، ولعل ما يحدث في بلدي سوريا خير دليل على ما أقول، نحن من صفق للاستبداد ونحن من هلل له ونحن من تواطأ طيلة عقود مع جرائمه ونحن من شارك في خطط إفساده للبلد ونحن من ساعده على تدمير البنية الأخلاقية للسوري عبر تكريس كل الأمراض المجتمعية وتعميمها وشرعنتها، نحن حقيقة من زرعنا هذا الشوك بأيدينا. وهاهم الآن أبناؤنا الذين تجاوزونا يحصدون شوكنا بدمائهم وبأحلامهم وبأرواحهم وبمستقبلهم، نعم من زرع كل هذا الشوك الذي يقتل أبناءنا ويقضي نهائيا على كياننا الوطني وعلى كينونتا البشرية هم نحن.
مشاركة :