لا يمكن للحياة أن تستمر على وجه الأرض دون مأكل أو مشرب، وعلى الرُغم من تخوّف الشعب المصري من ملف سد النهضة – كما ذكر الرئيس – ولكن جميعنا لم يلتفت إلى خسارة أكثر من مليون فدان زراعي من أجود الأنواع بسبب تعديات البناء!فهل هذا هو الفرق بين رؤية الفرد ورؤية الدولة؟ لا ينتبه الفرد سوى إلى الملفات المشتعلة التي تحظي بحرارة إعلامية؟ أم أن الجميع لم يدرك حجم هذه الكارثة؟ أم أن التعدي على أراضى الدولة صار منذ العهود الماضية سلوكًا ترسخ فلا يزال يرتكبه الكثير؟ربما كل هذا هي الأسباب الحقيقية التي تسببت في تلك الكارثة.ففي مصر الملكية، كانت الرقعة الزراعية كبيرة بل تضاعفت ثلاثة مرات قبل ثورة يوليو 52، ولكن عندما طرأ على المجتمع تغيّرات جذرية بعد الثورة، انكمشت تلك الرقعة حتى يومنا هذا.وعلى الرغم من أن الدولة المصرية اليوم أخذت على عاتقها إنهاء أى تجاوز أو تعدٍ، يظل أخطر تلك التعديات هو التعدي على الأراضي الزراعية، لأن ذلك ليس تجاوزًا فحسب بل هو تهديد للأمن القومي، فكما أن هناك من يهدد أمننا المائي، هناك من يهدد أمننا الغذائي ولكن من الداخل، وما أسوأ أن تتآكل الدولة من داخلها.ومن ثمّ جاءت لهجة الرئيس شديدة وحاسمة تعلن أنه من الآن فصاعدًا لن يكون هناك من يعبث بالدولة المصرية وبأركانها وبأمنها القومي، بمنتجاتها الزراعية التي تمس مائة مليون نسمة!ولكن لا يزال القانون غير قادر على امتصاص كل تلك التعديات التي استفحلت في الواقع، يقولون إن التنفيذ السيئ يصلحه التشريع الجيد! وربما ذلك هو بداية الدرب في حل تلك الأزمة.ومع وجود غرفتين للتشريع بعد انتخاب مجلس الشيوخ، يصبح لدينا معمل جيد لصناعة القوانين وسنها وتنقيحها، فكلما كانت القوانين المشرَعة أقرب إلى أرض الواقع، تناقش كل الفنيات وتسردها بالتفصيل، كلما كانت واقعية وسلسة وبسيطة ومباشرة وغير معقدة، كلما كان التنفيذ أسهل وأسرع وأعطى ذلك للذراع التنفيذي للدولة سهولة تنفيذ العدالة الناجزة.أمّا عن الحل الآخر لتلك الكارثة، قد يكون قيد القوة الناعمة أكثر وهى السياسة والإعلام، فربما إذا أثيرت تلك الكارثة إعلاميا، ربما أدرك المواطن خطر ذلك النوع من التعدي، يأتي الترغيب في المقام الثاني؛ وهو الطرف الآخر من الخيط، فبدلا من الترهيب، أو هكذا ما يراه المواطن في إزالة التعديات وتصحيح الأوضاع، ماذا لو قدمت التنمية المحلية وهيئة التخطيط العمراني قطعا من الأراضي الصحراوية زهيدة الثمن لصغار المزارعين؟ يتملكون إياها ويستصلحونها مما يتسق مع رؤية الحكومة المصرية في زيادة الشريط الأخضر في مصر بحلول عام 2030، مما قد يصرف هؤلاء عن التعدي، أملا في امتلاك أراضٍ جديدة وعدد من الأفدنة المجزى بتسهيلات واشتراطات غير معقدة.في كل الأحوال فهذه دولة الثلاثين من يونيو التي تحارب من أجل الصالح العام، والتي ناضلت سنوات من أجل الحفاظ على الأمن المائي المصري، فلن تتوانى لكي تحافظ على أمنه الغذائي أيضَا، مهما كلفها الثمن.
مشاركة :