كانت القصة القصيرة جواز مروره لعالم الأدب، ويبدو أن الجدل الذي يثيره الكاتب أشرف الخمايسي في فضاء السردية المصرية العائد إليها بقوة، بعد انقطاع دام 10 سنوات، سوف يزداد مع مجموعته القصصية الجديدة: «أهواك.. خمس نوفيلات حول أسطورة العشق» التي ستصدر في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015، وضمت 5 قصص قصيرة، تمتلئ بعشق الرموز الدينية، منها «المنبر» و«المسجد»، لكن الخمايسي يكتب بلا سقف، ويقول: «الإبداع الحقيقي صادم دائما، يجعلنا نعيد التفكير في كل الثوابت المقيدة، وهي دائما ما تخلق المشاكل على المستوى السياسي والديني والثقافي». بهذه الروح المخلوطة بالواقعية السحرية، وصلت روايتان له إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، ووصلت روايته الثالثة «انحراف حاد» إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد. تدور مناخات الخمايسي السردية حول عصب أساسي هو ثنائية الموت والخلود، لكنهما معا يشكلان حالة من العشق الإنساني، تذوب فيها الحدود الفاصلة بين الجسد والروح. هذا الهم برز على نحو لافت في مجموعته القصصية «الجبريلية»، ورواية «الصنم» عام 2000. وكذلك مجموعته القصصية الجديدة «أهواك»، التي يقول عنها: «كلها تدور عن حالات عشق، وكل قصة مختلفة عن الأخرى، لكنهم يشتركون في عامل واحد في الحب والعشق». يضيف الخمايسي: «لا أريد أن أموت، وأبغي الانتصار على الموت، لكن يهمني أن من يقرأ كل رواية لا ينتظر رواية مكملة لها. لا أكتب رباعية، لكن كل رواية مكتملة وقائمة بذاتها لها توجهها ومذاقها الخاص ولغتها التي تجسد فكرة الخلود. (الصنم) فيها عجائبية الإنسان، وانحراف حاد فيها سرعة (الميكروباص)، وحرصت على ألا أكشف الشخصيات لنفسها في (الميكروباص) نفسه، بعكس (منافي الرب) التي كان فيها بطء الناقة وتأمل الصحراء، أما الرواية الجديدة (صوفيا هارون) فتتكلم عن مرحلة جديدة من مراحل الموت، وأعد القراء بأنها ستكون رواية مدهشة، وسوف تتبعها رواية (ضيف الله)، وبذلك ينتهي مشروعي الأدبي في معالجة فكرة الموت والانتصار عليه». حينما قلت له إن نشأته في الأقصر بين المعابد والحضارة الفرعونية الخالدة ربما كانت هي الدافع في بحثه عن الخلود، كان له رأي مغاير: «وُلدت في الأقصر وعشت أغلب حياتي فيها، لكن في الصيف كنا نعود لجذورنا الأصلية في سوهاج وسط الريف، لم أتأثر بالأقصر ولم تؤثر فيَّ، كانت تمثل بالنسبة لي نقطة الألم واللاقيمة، كنت أرى القيمة في المتاحف والأحجار، لكن الإنسان لم تكن له قيمة. كان الإنسان بها مشوها يسعى وراء الأجنبي من أجل الأموال، كانت تمثل لي حالة تعب، بل، بالعكس، ولعي دائما بالريف والحقول والبيئة الجميلة ربما يكون ذلك الأثر في اللاوعي لدي، لكن أظن أنني لو كنت موجود في (ديزني لاند)، مدينة البهجة، كنتُ سأكتب عن الموت». منذ نحو شهر تعرض لحادث، وكُسرت له 3 أضلع، وأُصيب بنزف في الرئة، فكانت تجربة بمذاق الموت، قال: «لم أفكر في شيء إلا فيمن سيستكمل (صوفيا هارون). شعرت بأنني سوف أدخل في غيبوبة. وشهد على الحادث أحمد سعيد صاحب دار نشر (الربيع العربي)، وقلت له: (أنا قررت ماموتش). تخيلت لو عرف الناس أني مت في حادثة موتوسيكل، كان تفكيري كله في استكمال كتابتي. وأود الدخول في المشروع الأصعب البهجة.. الكتابة المبهجة أصعب، بعد أن عاش الناس في أجواء الحزن، أود الدخول في عمق البهجة». عن عناوين رواياته المثيرة لشغف القراء بغموضها وحداثيتها، يقول: «وأنا أكتب، أرى الكلمة تتوهج أمامي لتفرض نفسها كعنوان، لكن (انحراف حاد) جاءت كانحراف حاد لي في طقوسي بالكتابة، وفي قناعاتي في الكتابة، وهي تعبر عن انحرافات حادة في شخصياتها.. في كل ما كتبته كنت أنتظر الوحي، لكن في (انحراف حاد) ألزمت نفسي بالكتابة، ووجدت.. (هذا الوحي)». ويصف نفسه: «أنا من النوعية (البجحة) في الحديث عن أعماله والمفاخرة بها. وكتب أحد النقاد أنني سوف أنتحر لعدم فوزي بـ(البوكر) عن (منافي الرب). لكن قلت لنفسي إنه مع ظهور (البوكر)، لا بد أن تكون (انحراف حاد) خرجت إلى النور.. أومن بأني أريد، فيحقق الله لي ما أريد». يقول الخمايسي: «كان البعض يظن أنني سوف أقع في سطوة (منافي الرب)، فمن المهم ألا يقع الكاتب في أسر عمل له لأن اختلاف الألوان هو ما يصنع الجمال». وحول انتقاد البعض لروايته «انحراف حاد»، لأن بها تناقضا بين المجال الاجتماعي والمجال الأدبي، وأنه لا يراعي نطاق الزمن وأحكام البشر في شخصياته، يقول: «لقد كتبوا عني أنني أحض على كراهية المسيحيين، رغم أنني أنتقد المسلمين فيما فعلوه مع المسيحيين في (انحراف حاد). أعتبر رأي القارئ هو الذي يعطي أكبر جائزة لي، لأن الجوائز تُدس بها الدسائس، خاصة أنني لا أقوم بعمل علاقات ولا أطرق باب أحد كي أحصل على امتيازات، الأهم بالنسبة لي أن أنام وضميري مرتاح». ويؤكد أن «المبدع الحقيقي لا يحض على كراهية أي أحد ويؤمن بالاختلاف ويختلف مع الآخرين الاختلاف الذي يزيد باقة الزهور». سألته: «أتكتب وعينك على القارئ العالمي؟»، فقال: «أكتب للإنسان في أي مكان. أكتب عن قضية تهم البشر، لكن (انحراف حاد) موجهة للإنسان العربي أكثر، لأن بها قضايا انتهى منها العالم منذ زمن، وترفض الثوابت المكبلة لنا». أطلق على نفسه «إله السرد». لكنه يرى أن ذلك ليس غرورا أو اعتدادا بالذات، بل «من ضمن الأشياء السيئة في بلادنا الفهم الخاطئ للتواضع، وهناك فارق بين الغرور والاعتداد بالنفس، وفي بلادنا منكسرون حينما يرون شخصا مرفوع الرأس يحاولون تنكيس رأسه. نحن نعطي كتاب الغرب أكثر من حقهم.. أجد أنني لا أقل عنهم». من تصريحاته المثيرة للجدل أيضا، ما يردده: «أنا من أقل الناس قراءة للروايات، وحتى الآن قرأت 46 رواية، وندرة قليلة تعجبني من الكتاب العرب والأجانب. لكن لم أقف أمام أي منهم بانبهار، وأكره أن يصفني أحد بـ(ماركيز العرب)». ويضيف: «حتى أول من أمس، لم أقرأ كونديرا (كائن لا تحتمل خفته)، وماركيز، وباوليو كويلو، قرأت لكل منهما روايتين، لكنني أشعر أنهم يتميزون فقط عنا بالتحرر والخيال الجامح، ولديَّ هاتان الميزتان». وحول تشكل الذائقة الفنية للمبدع، قال: «تتأثر إذا قرأ لكتابات آخرين، لذلك عليه أن يقرأ ما هو أكبر، ألا وهو العالم من حوله، فأنا أرى أن العالم جميل جدا، وإذا تم تركيبه بشكل أفضل فسيصبح (ماسخ الطعم)». ويضيف: «أنا منفصل عن جيلي بما فيه من إحباطات، وأجد أبناءه يعيشون في زمن السبعينات، لكن أحب جيل الشباب المتحرك، لكن عند مسألة الكتابة أنتقد من دون مجاملات». وعما يكتبه شباب الأدباء، يرى أن «التسلية عمل بديع جدا، لأن التسلية لا تنتقص من قيمة العمل، ونحن نكتب الرواية للتسلية، ولكن بشكل آخر. لكن لا يصح أن تكتب بطريقة مخططة لتوجيه الأدب لناحية سطحية وخفيفة، ظاهرة (البيست سيلر) تقدم الكتابات المسلية على الكتابات التي لها قيمة، ولديّ معلومات يقينية بأنها تباع وتشترى وهي جزرة لأناس معينة.. أصبح لدينا ما يسمى (صناعة الأديب)؛ يدفع الشاب 5 آلاف جنيه ويصبح أديبا شهيرا.. لكنني لا أكف عن نقدهم وانتقادهم، وليس لدي مشكلة في أن أكون حتى بائع جرجير». وعن القراءات التي شكّلت فكره والنزعة الفلسفية التي تظهر في كتاباته، قال: «قرأت (الكوميديا الإلهية) لدانتي، و(الإلياذة) لهوميروس، كانت هذه النوعية من الأدب تستهويني في صغري». ويضيف: «تكويني الفكري جاء نتاج تربيتي الجافة التي خلقت مني شخصا منطويا، الانطواء يخلق فيّ الكاتب الفيلسوف، فأنا من النوعية التي تتأمل، لم أقرأ كثيرا في الفلسفة، لكن أفكاري نتاج التأمل والتجارب التي خضتها؛ ففي داخلي السلفي والليبرالي والفيلسوف والإنسان البسيط». وعن آرائه النارية حول الإبداع النسائي، قال: «المرأة أصل الإبداع والرجل يكتب من أجل المرأة، ولا يوجد مبدع حقيقي من الممكن أن يعيش من دون المرأة، لكن أجد أن المرأة غير قادرة على الإبداع.. لا أجد واحدة يمكن أن أطلق عليها كاتبة مبدعة.. لطيفة الزيات ومي زيادة لو عدتِ إلى كتاباتهما الآن، فلن تجدي قيمة إبداعية لها، الزمن يدهس هذه الكتابة، لكن لأن أي واحدة تكتب في ذلك الوقت كانت ستظهر كمبدعة». ويضيف: «المرأة لم تكتب للرجل، بل تكتب ضد الرجل، ليس في الوطن العربي فقط بل في أنحاء العالم، وأرى أن الرجل يحب المرأة أكثر من أن تحب المرأة الرجل، الرجل لا يًستطيع أن يعيش دون امرأة، لكن المرأة تستطيع العيش من دون رجل، لذلك يبدع الرجل أكثر».
مشاركة :