في اجتماع قمة الذكاء الاصطناعي العام الماضي، قال إريك شميدت، الرئيس السابق لشركة جوجل، عن الصينيين: «بحلول عام 2020 سيلحقون بنا، وبحلول عام 2025 سيكونون أفضل منا، وبحلول عام 2030 سيسيطرون على صناعات الذكاء الاصطناعي.» لا تبدو تلك مبالغة فقد حددت الحكومة الصينية خارطة طريقها للتحول إلى «مركز ابتكار الذكاء الاصطناعي الرئيسي بالعالم» بحلول عام 2030؛ لكن ماذا عن أمريكا؟ ماذا عن وادي السيليكون؟ منذ نشأة الإنترنت في أمريكا وهي تقود الفضاء السيبراني وما يعنيه من قوة ناعمة لنشر القيم الأمريكية وتوجيه الرأي العام العالمي وقيادة الشركات الأمريكية للتقنيات المتقدمة والحصول على منافع المعلومات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاستخباراتية، فضلاً عن التأثير في تنظيم تكنولوجيا المعلومات وتحديد التشريعات الدولية للفضاء السيبراني والاستحواذ على الحصة الأكبر من التجارة الإلكترونية. الآن تتوجه الصين لمنافسة النفوذ الأمريكي في الفضاء السيبراني، فحتى عام 2017 لديها مشاركين في الإنترنت أكثر من أي بلد آخر بما يفوق 700 مليون مستخدم (أكبر من الهند وأمريكا مجتمعتين) وما يقرب من 100 مليار دولار إيرادات؛ وأصبحت الصين أكبر سوق إنترنت بالعالم بعدة مقاييس، باستثناء الإنفاق فهي بعد أمريكا (تقرير مجموعة بوسطن الاستشارية). تخطِّط الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي تكنولوجياً، وللاستحواذ على دور أكبر في إدارة الإنترنت وربما قيادته وتشكيل المؤسسات والمعايير الدولية للفضاء السيبراني. من أجل ذلك وضعت الصين دعم العلم والتكنولوجيا بمقدمة خطتها الخمسية التي بدأت 2016 (233 مليار دولار، 20 % من إجمالي الإنفاق العالمي على البحث والتطوير). وفي السنة الحالية، ولأول مرة تفوَّقت الصين على أمريكا في العدد الإجمالي للمنشورات العلمية، ويتخرّج المزيد من الطلاب بالعلوم والهندسة بالصين أكثر من أي بلد آخر. أما بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، فقد زادت الصين من تركيزها في الجانب التقني، حيث دعا الرئيس الصيني إلى جمع كبار العلماء في البلاد لتحقيق قفزات في التقنيات الأساسية. ويترأس الرئيس الصيني مجموعة مركزية على أمن الإنترنت، ويتابع وكالة الفضاء السيبراني الصينية التي حدّدت أربع أولويات: ضمان وجود إنترنت متناغم، تقليل اعتمادها على الموردين الأجانب للمعدات الرقمية وأجهزة الاتصالات والاعتماد على الإنتاج المحلي، مواجهة مخاطر الهجمات الإلكترونية، مبدأ السيادة الوطنية للإنترنت «حق كل دولة على حدة باختيار طريقها الخاص في التنمية السيبرانية، ونموذج التنظيم الإلكتروني وسياسات الإنترنت العامة، والمشاركة في الحوكمة الدولية على الإنترنت على قدم المساواة». هل تستطيع الصين حلول مكان أمريكا في الفضاء السيبراني؟ ربما، لكن لن تكون دون تحدٍ وعراقيل جسيمة. يذكر آدم سيغال (خبير أميركي في الأمن الإلكتروني) أن شركات التكنولوجيا الصينية أصبحت هدفاً للضغط السياسي في أمريكا وأوروبا وأستراليا، حيث يتم فيها الحد من استثمار الشركات الصينية وتقييد أعمالها، وتشديد حماية الملكية الفكرية. وتواجه الصين تحديات في عولمة شركاتها، وقد يطالب المواطنون الصينيون بمزيد من الشركات الخاصة والخصوصية الفردية، في حين أن إرث البلد بالتخطيط المركزي قد يؤدي بالشركات إلى الاستثمار المفرط، وخنق إبداع موظفيها. ويرى سيغال أن الصين أصدرت تشريعات متشددة مما ستزيد من تكلفة وتعقيد ممارسة الأعمال التجارية في الصين لشركات التكنولوجيا.. «تشعر الشركات الأجنبية بالقلق من التفسير الواسع للمتطلبات الخاصة بتفتيش المعدات وتخزين البيانات داخل الصين سيزيد من التكاليف وقد يسمح للحكومة الصينية بسرقة ممتلكاتها الفكرية.» التشريعات المتشددة والرقابة الصارمة تعارض مباشرة الدعم الذي تقدمه أمريكا لشبكة إنترنت عالمية ومفتوحة.. «على مدى السنوات الخمس الماضية، شددت بكين بشكل كبير الرقابة على المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام الاجتماعية.. وتسيطر على المحادثات فيها..» تتبنى أمريكا وحلفاؤها نموذجاً للإنترنت غير مركزي مختلفاً عن النموذج الصيني المركزي، فقد روَّج الغرب لنموذج موزع لحوكمة الإنترنت يشمل الهيئات الفنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والحكومات، بينما تتبنى بكين رؤية تتمحور حول الدولة. ويخشى الغربيون من أن زيادة النفوذ الصيني على الإنترنت سيؤدي إلى قمع الحريات؛ فوفقاً لمؤسسة فريدوم هاوس، فإن سهولة وصول الناس إلى الإنترنت واستخدامه للتعبير عن آرائهم قد انخفضت خلال السنوات السبع الماضية. آخر التسريبات تقول إن عملاق الإنترنت جوجل ستعود للصين قريباً بعد قبولها الشروط الصينية، مما أثار حفيظة المؤسسات الأمريكية، حتى إن أكثر من 1400 رسالة من موظفي الشركة نفسها قُدمت للإدارة تقول فيها إن هذا المشروع «يثير قضايا أخلاقية ومعنوية عاجلة»، وتطالب بمزيد من الشفافية قبل تنفيذ أي خطط. تقول سوزان نوسيل (المديرة التنفيذية لمركز بن أمريكان): «في معرض إثبات إن شركة قوية مثل جوجل لم تستطع مقاومة إغراء السوق الصيني، رغم شروط الدخول، سوف تقدم بكين حملتها لإعادة صياغة إدارة الإنترنت العالمية بشروطها الخاصة.» الصين دولة عظمى تتطور بسرعة، وتتوجه إلى أن تكون أكبر اقتصاد في العالم، وهي أكبر دولة في عدد السكان.. لكن الأهم أنها تحاول جادة لتصبح المتقدمة تكنولوجياً، فإن لم يكن للصين قريباً نفوذ في الإنترنت أكبر من أمريكا، فالمؤكد أن نفوذها يزيد وستزاحم النفوذ الأمريكي في مقدمة الفضاء السيبراني..
مشاركة :