ظلمناهم أم ظلموا أنفسهم؟

  • 10/16/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

العنوان أعلاه للصحفي السوداني الأستاذ عثمان ميرغني، في مقال عاب فيه على بعض أئمة المساجد ميلهم للصراخ في خطبهم، المشحونة بالوعيد والتخويف المتكرر من عذاب النار، وما اسماه بـ«تجاهل الوعد» بجنة عرضها السماوات والأرض. الصورة النمطية لأئمة المساجد والدعاة عموما، هي أنهم قوم دائمو التجهم، وعلى المستوى الشخصي حدث نفور بيني وبين مدرسي العلوم الدينية في المدرسة الابتدائية، فمدرس «الدين» كما كنا نسميه، كان يكلفنا بحفظ سور قرآنية لنقوم بقراءتها من الذاكرة في وقت لاحق، وكان من لا يحسن حفظ سور وآيات القرآن يتعرض لضرب مبرح، وكان كل شيء قائما على الحفظ وحده: نواقض الوضوء هي ما يخرج من السبيلين والنوم الثقيل و.. و.... ولم أعرف ما هما «السبيلين»، إلا وأنا في المدرسة الثانوية. وفي الوضوء لم أكن أفهم المقصود بـ«الفور والدلك»، ولكن كان واجبا علينا أن نردد الكلام عن السبيلين والفور والدلك من دون فهم، لأن واضعي المنهج لم يكونوا معنيين سوى بالتلقين. وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية، كان مدرسو العلوم الدينية يرتدون الكاكولة/ الجبة/ القفطان، وكان منهج التربية الإسلامية يعاني من الشد العضلي: مقدار زكاة المال «ربع العشر»، ويا ويلك لو قلت إنها «واحد على أربعين». وفي زكاة الإبل هناك بنت لبون وجذعة، ومازال كثيرون يعانون من عقدة سورة «المطففين»، ولو كلف مدرس نفسه عناء شرح كم هذه المفردة حبلى بالمعاني، وكيف أن السورة تؤسس للعدل في التجارة والمعاملات العامة، لما تحولت إلى بعبع، بسبب «الحفظ» القائم على غير فهم ووعي بالمعاني. كنا نتعامل مع مدرسي التربية الإسلامية على أساس أنهم دراويش، بسبب زيهم وهندامهم، ولأنهم كانوا يشغلون أدنى مراتب السلم الوظيفي في وزارات التربية، ولعقود طوال، وبعد أن عرفت الدول العربية ما يسمى بالنظام التعليمي لم يكن مسموحا لهذه الفئة من المدرسين شغل مناصب النظار/ المديرين، ولم تقصر السينما المصرية في الاستخفاف بمدرسي اللغة العربية والدين؛ إذ كانوا يظهرون على الشاشات كأشخاص متكلسين، ثقيلي الظل والدم، ولا علاقة لهم بالعصر، ويتكلمون كما العالم النحوي الذي سأل خادمه: أصعقت العتاريف؟ فرد الخادم: زقفيلم! فسأله النحوي: وما زقفيلم؟ فرد عليه الخادم بالسؤال: وما صعقت العتاريف؟ أجابه النحوي: هل صاحت الديكة؟ فقال الخادم: عندئذ فإن زقفيلم تعني «نعم». ثم شببنا عن الطوق، وتكاثرت وسائل الإعلام والتواصل التقني، واكتشفنا أن معظم هؤلاء «الشيوخ» في منتهى الظرف واللطف، وأن العبوس والتجهم وباء عام، لأننا شعوب ما زال كثيرون من أفرادها يعتبرون الضحك والتبسم والدعابة دليلا على «العبث وعدم الجدية». يفوت على هؤلاء أن الله تعالى نفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم الفظاظة ووصفه باللين «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وكان أصحاب النبي يعرفون مزحه وسروره من طلاقة وجهه: «كان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر»، و«تبسمك في وجه أخيك صدقة»؟ حديث نبوي صحيح الإسناد. وسألت عجوز الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء لها، فقال: يا أم فلان، أما علمتِ أن الجنة لا يدخلها عجوز؟! فجزعت الحُرمة، وارتاعت، فأفهمها صلى الله عليه وسلم أنه ليس في الجنة عجائز، بل كل من فيها من النساء شواب عُرُب حسناوات! وتلا عليها: «إِنَآ أَنشَأُنَاهنَ إِنشَآءَ، فَجَعَلُنَاهنَ أَبُكَارًا، عربًا أَتُرَابَا، لأصحاب اليمين». وجاءته امرأة تقول: إن زوجي يدعوك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: أهو الذي بعينه بياض؟ فردت متسرعة: زوجي أنا؟ والله ما بعينه بياض، فقال صلى الله عليه وسلم: بلى إن بعينه بياضًا، وما من أحد إلا بعينه بياض. وكان هناك بدوي اسمه زاهر يتبادل الهدايا مع الرسول، وكان زاهر هذا دميما، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه -وهو لا يبصر النبي- فقال: مَن هذا؟ فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: مَن يشتري العبد؟ فعرفه زاهر وقال: يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدًا! فقال صلى الله عليه وسلم: «لكن عند الله لستَ بكاسدٍ» أو «أنت عند الله غالٍ» كفوا عن التجهم وابسطوا وجوهكم بين الحين والحين.

مشاركة :