الشارقة: أمل سرورفي أروقة معرض «صدى القوافل مراكز حضارية من المملكة العربية السعودية خلال فترة ما قبل الإسلام»، يستشعر الزائر عمق الحضارة في منطقة شبه الجزيرة العربية، الذي تدل عليه كنوز تبوح بكثير من القيم الموروثة.المعرض الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في متحف الشارقة للآثار أمس الأول، يكشف للجمهور عبر أكثر من 50 قطعة أثرية مكتشفة في السعودية والشارقة، الروابط التاريخية العميقة والتقاليد والعادات المشتركة بين أبناء منطقة الجزيرة العربية.المعرض المستمر حتى 31 يناير/ كانون الثاني المقبل شاهد، وفق منال عطايا، مدير عام متاحف الشارقة، على قرون من التبادل التجاري والعلاقات التي ساهمت في هذا الارتباط الثقافي والاجتماعي بين المجتمعات في شبه الجزيرة العربية.يتضمن المعرض مجموعة من مقتنيات متحف الشارقة للآثار، ومنها مصباح من السيراميك وقلادة من الخرز بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، اكتشفت في جبل البحيص، ويعتقد أنها تعود إلى فترة تتراوح بين 2000 و 1600 قبل الميلاد، حسب عطايا.المكتشفات في السعودية بمنطقة نجران يتصدرها موقع الأخدود الأثري الذي يعد نموذجاً للمدن المميزة لحضارة جنوب شبه الجزيرة العربية. وهو الموقع الذي كانت تقوم عليه مدينة نجران القديمة التي ورد ذكرها في نقوش جنوب الجزيرة العربية باسم «ن ج ر ن»، ذلك الموقع الذي يضم أساسات أقدم مسجد في نجران.وتشعر أنك أمام قيمة فنية عالية عندما تتأمل الرسوم الصخرية التي تجسد المرحلة التمهيدية لنشأة وتطور الكتابة التي اجتازت عدة مراحل، ابتداء من التصويرية ثم المقطعية وصولاً إلى الأبجدية التي تمثل نهاية عصور ما قبل التاريخ وبداية العصور التاريخية، خاصة أن المنطقة تحتوي على نماذج عديدة ومتنوعة من الرسوم الصخرية الحيوانية والآدمية، والنباتية، ورسوم القبائل. ويبدو أن شبه الجزيرة العربية كانت ولا تزال تزخر بالكتابات والنقوش التي سجلها سكانها، على واجهات صخور الجبال وحول موارد المياه الواقعة على طرق التجارة، أو مكتوبة بخط تذكاري على جدران المنازل والمعابد أو واجهات الأضرحة وشواهد القبور. وتلك الكتابات والنقوش تعتبر مصدراً أساسياً لدراسة تاريخ شبه الجزيرة العربية.وها نحن نقف أمام قطع مكتشفة غاية في الأهمية في نجران، لنرى مذبحاً من الحجر الرملي له مجرى ينتهي بمجسم لرأس ثور له قرنان، وإفريزاً من الحجر الرملي، وأكواباً من الفخار ذات الزخارف المحزوزة، وجرة فخارية كمثرية عليها زخارف هندسية نفذت بالحفر الغائر، ولوحاً مستطيلاً من البرونز يحتوي على 4 أسطر بارزة من الحروف بالخط المسند وحولها إطار بارز يحيط بجوانبه التي فقد أحدها، وأطباقاً فخارية من العجينة الحمراء الخشنة، ومبخرة فخارية صغيرة ، ووعاءين صغيرين متلاصقين صنعا من المرمر، بالإضافة إلى تمثال من البرونز لآدمي تظهر عليه تفاصيل الوجه والأيدي متشابكة من المحتمل استعماله كحلية.ومن نجران ينتقل بنا المعرض إلى منطقة بئر حما، حيث أبرز مواقع الرسوم والنقوش الصخرية مثل الرسوم الآدمية، والحيوانية، إلى جانب الكتابات بخط البادية المعروف بالثمودي والمسند الجنوبي. وندخل بعدها إلى أهم المراكز التجارية الواقعة على طريق التجارة الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية بالمراكز الحضارية في مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين، ونعني «العلا». ومن القطع المكتشفة في العلا، تمثال برونزي صغير للماعز، ومبخرة دائرية برونزية بثلاث أرجل على شكل رؤوس آدمية وتتكوّن من ست فتحات، وإناء صغير دائري صنع من الحجر الرملي ، وتمثال على شكل آدمي مصنوع من الحجر الرمل.ويصحبنا المعرض إلى تلك الأرض التي احتضنت حضارات موغلة في القدم تبدأ من فترة ما قبل التاريخ، وتستمر حتى العصور الإسلامية المتأخرة مروراً بعصر ما قبل الإسلام، ومنها إلى «الخريبة» الذي يعد من أهم المواقع الأثرية في المنطقة. وهو عبارة عن أطلال متراكمة من المباني الحجرية المنهدمة تمثل بقايا عاصمة مملكتي دادن ولحيان، بالإضافة إلى مجموعة من المقابر المنحوتة على واجهات سفوح بعض الجبال بأشكال ومقاسات مختلفة.عندما تدقق النظر جيداً تفاجأ بذلك الحوض الدائري المنحوت في الصخر الذي يطلق عليه أهل المنطقة «محلب الناقة»، ويقول عنه بعض العلماء والمتخصصين، إنه كان يتوسط معبداً بني لكبير المعبودات اللحيانية، وهو المعبود ذو غيبة، وذلك استناداً على ما جاء في النقش المدون على قاعدة أحد الأعمدة الذي وجد في الموقع. wومن قمم الجبال الشاهقة نرتحل مع المعرض إلى الوديان وتحديداً «وادي عكمة» الضيق الذي ينحدر من جبل عكمة ويضم العديد من الكتابات اللحيانية، ويمثل المكتبة المفتوحة التي كشفت الكثير من المعلومات عن تاريخ هذه المملكة في الجوانب السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية. ودونت هذه النقوش على واجهات الصخور، وكتبت بطرق مختلفة، ومما يزيد من أهميتها أن بعضها مؤرخ بسنوات حكم ملوك لحيان.المعرض يصحبنا أيضاً إلى أهم المناطق الأثرية التي تسرد التاريخ الأسطوري للمنطقة، خاصة عندما دخلنا إلى «أم درج» و«مدائن صالح»، و«السور الكبير» و«قصر الحمراء» و«قصر الأبلق»، و«قصر اللضم» و«المدافن» و«رحوم صعصع».وضمن مكتشفات منطقة تيماء نقف أمام عقد من الخرز، وجرة من الفخار، وقارورة صغيرة من المادة نفسها، ومبخرة، وقدح أسطواني ، ومبخرة ذات عجينة خشنة جيدة الحرق لها مقبض صغير، وكوب من الفخار مزخرف بخطوط سوداء متوازية تتوسطها تريينات على شكل معين، وآخر من الفخار على سطحه الخارجي آثار حرق، وطاسة من الفخار مزخرفة بخطوط متشابكة ومتقاطعة مع بعضها بعضاً باللون البني المائل إلى الأسود.
مشاركة :