في حياة الأمم والشعوب شخصيات نادرة لا تتكرر، وفي قصص التاريخ نقرأ عن أشخاص أعلوا المصلحة العامة لبلادهم وأمتهم على أنفسهم، ومارسوا نكران الذات من أجل الأوطان.. من ضمنهم الجنرال السوداني «عبدالرحمن سوار الذهب»، الذي تسلم مقاليد الحكم في السودان عام 1985 وتعهد بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد عام واحد، وقد فعل، ثم اعتزل العمل العسكري والسياسي، وتفرغ للعمل الدعوي الإسلامي في القارة الإفريقية. سنحت لي الفرصة بأن ألتقي الجنرال الذهب «سوار الذهب» عدة مرات، خلال زيارته لمملكة البحرين، وخلال مشاركته في مؤتمرات خارجية، وكان بحق رجلا من الزمان النادر، صاحب هيبة ومكانة واحترام وتقدير، حينما تقف أمامه تجد نفسك أمام شخصية زهدت في الحياة وأطماعها، وتوجهت نحو رضا الله وخدمة الناس، تواضعه يجعلك قزما أمام شخص ارتمت الدنيا والسلطة تحت أقدامه فركلها وطلقها. ذهب الجنرال الذهب «سوار الذهب»، وأوصى بدفنه في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، ليترك وراءه سيرة عطرة، قل أن تجدها في تاريخ الأمتين العربية والإفريقية.. ذهب بعد أن أوفى بوعده، ولقي ربه، وخدم وطنه وأمته، وجند نفسه وطاقته، وخبرته وعلاقاته، من أجل العرب والمسلمين والسودان الشقيق. أمس نعته الصحف والوسائل الإعلامية، وأجمعت على أنه «الجنرال الزاهد في الحياة»، وسجلت مناقبه الكريمة، ومواقفه العظيمة، التي تحفظ في التاريخ لنا وللأجيال القادمة، وكيف أن زعيما عربيا تخلى عن السلطة وهو في قمته. الجنرال الذهب عسكري فذ، وقائد محنك، وداعية من الطراز الأول، عربي إسلامي، ولكنه لم ينتم إلى أي جماعة إسلامية أو قومية، نذر نفسه لخدمة السودان والعرب والمسلمين، ونال جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 2004 تقديرًا لجهوده في منظمة الدعوة الإسلامية بالسودان، وتشييد الكثير من المدارس والمساجد والمستشفيات ومراكز الطفولة وملاجئ الأيتام، وحفر الآبار في إفريقيا. وكانت له مواقف صلبة وشامخة، أمام الثورات والأعمال التخريبية والإرهابية في البلاد العربية. في عام 2016 تشرف «سوار الذهب» بلقاء حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ضمن مشاركته في الاجتماع الدوري الثامن لمجلس حكماء المسلمين، الذي يترأسه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وكان واضحا تأثر سوار الذهب بقضايا المسلمين ومسلمي بورما، وكان من دعاة الوسطية والسلام دائما. أوصاف كثيرة ومسميات عديدة أطلقت على «سوار الذهب»، منها: (رائد الانقلاب الديمقراطي، ورئيس العام الواحد، والجنرال الزاهد، وأول عسكري عربي يسلم السلطة، ورجل الحرب والدعوة)، وغيرها من الأوصاف والمسميات الخالدة. وأجمل تعليق كتب في وسائل التواصل الاجتماعي عن رحيل الجنرال الذهب: «رحم الله الرئيس السوداني سوار الذهب رحمةً واسعة. كان نموذجا فريدا للعمل السياسي والعسكري والدعوي والإنساني في عالمنا العربي. سيذكره التاريخ ويخلَّد في وجدان العرب كأول وآخر عسكري يسلم الحكم طواعيةً لحكومة مدنية منتخبة، وينسحب من العمل السياسي». عزاؤنا الخالص للأشقاء السودانيين، لرحيل الجنرال الذهب الذي نعاه الجميع بكل حرقه، وقال عنه مفتي الديار المصرية: «إن التاريخ سيذكر بحروف من نور الجهود التي قادها الرئيس السودانى الأسبق عبدالرحمن سوار الذهب، وسعيه لنشر السلام، وإسهاماته العلمية، وستظل علامة مضيئة في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية والعالم أجمع».
مشاركة :