هل المسيحية تعلمنا لبس الثياب السوداء في الحداد؟ ولماذا يلبس الكهنة اللون السواد؟ ولماذا في جمعة الالام تلبس الكنيسة السواد؟ السؤال الأول وردني عبر بريد الصفحة من احدى السيدات.أجاب الاب انطونيوس لحدو، عبر المنشور علي صفحة الكنيسة المسيحية الالكترونية بشبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك،" ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم " (1 تس 4: 13).لبس الاسود في الحداد من العادات الدخيلة على المسيحية حتى أصبحت عرفا شعبيا. بل ان من يحضر الحداد ولباسه غير الاسود سيكون بمثابة المستهزئ بالشخص الميت وربما يكون حديث بعض الحاضرين.لكن هل تعلم عزيزي ان اجدادنا كانوا يلبسون الثياب البيضاء في الجنائز! لان اللون الاسود كان من العادات الوثنية وهو ليس الاصل في الحداد المسيحي وهذا ما سنوضحه بعد قليل.من المعروف اليوم أن لبس الاسود في الحداد هو للمبالغة بإظهار الحزن. والحزن هو لمن لا رجاء لهاي كمن لا رجاء ولا ثقة له بالقيامة التي يعطيها الرب يسوع المسيح لكل من يؤمن به.عندما مات لعازر وبقي في القبر اربعة ايام حتى انتن، جاء المسيح الى بيته فقالت له مرثا: "يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت اخي !" فقال لها السيد المسيح: "أنا هو القيامة والحياة. من امن بي ولو مات فسيحيا " (يو 11: 25)فالمسيحية تؤمن بالخلود، ولا فناء للإنسان المسيحي ولا حزن يدوم بسبب فراق أي انسان نحبة. لأننا نعلم انه سيكون بالفردوس مع الرب يسوع المسيح، فهل تحزن العروس عندما تكون مع عريسها؟!والرسول ما بولس يعلمنا قائلا: " ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم 14 لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع، سيحضرهم الله ايضا معه" (1 تس 4: 13- 14)اذا لبس الاسود والنوح ليست من صفات الانسان المسيحي لأنهما يدلان على الحزن والكآبة وكأنه لا قيامة ولا حياة ابدية للمؤمن بالرب يسوع المسيح.صحيح أننا نحزن لفراق أي عزيز وهذا حق وامر طبيعي للإنسان، فقد بكي المسيح على حبيبه لعاذر عندما مات، لكنه لم يستسلم للحزن.وبالحقيقة ان الموت الذي يصيب الانسان المسيحي يُعد بمثابة الولادة الحقيقية له! لماذا؟لأنه سينتقل الى الحياة الابدية والمنازل السماوية التي لا تعرف الموت ولا الحزن " في بيت ابي منازل كثيرة"(يو 4: 2) و" حيث اكون انا تكونون انتم ايضا،" (يو 14: 3)ونحن نرفض المبالغة بإطلاق اللحى ولبس السواد تعبيرا عن الحزن، فهل هناك أيًا منكم له هذا الإيمان؟إليكم أحبائي هذه القصة الحقيقية:لاحظ الميتروبوليت لعازر بوخالو من رومانيا أن الكثيرين من أبنائه فوجئوا عندما أقام خدمة الجنّاز بثياب بيضاء.فقد كانوا يفكرون، على غرار الأغلبية، بأن الثياب السوداء هي أكثر ملاءمةً للحزن والحداد في الجنائز والتذكارات.ما يلي هو مختارات من عظته حول هذا الموضوع."افرحوا أيها الإخوة بالرب، وأيضًا أقول افرحوا "إن ارتداء الأسود حدادًا يعود إلى الأزمنة الوثنية. الغرب اللاتيني حافظ على هذه العادة وضمّنها في تقليده لأن تعليمه اللاهوتي عن الجنة والنار لا يترك مكانًا لرحمة المسيح بل للندب وكأن لا رجاء بعد الموت. لكن ارتداء الأسود للدلالة على المبالغة بالحداد يتعارض مع الإيمان الأرثوذكسي، كما أنّه معاكس للكتاب المقدّس. نحن نحزن في الجنازات لكننا لا نندب الراحل بل نأسف لأنفسنا لأننا نُحرَم من حضور مَن نحب. لكن أن نجعل الحَدَث وقتًا للندب والسواد، فهذا يظهر أننا ضعفاء في الإيمان، وأننا نسينا المسيح ومحبته. يتوجّه أبونا القديس يوحنا الذهبي الفم إلى لابسي الأسود:"ماذا تفعلون، أنتم الذين تدنّسون يوم القيامة هذا؟أنتم الذين تتمسكون بأسود الحداد ألا تؤمنون بالمسيح؟ لماذا تخزون هذا الراحل؟لماذا تحولون الراحة إلى خوف ورعدة عند الموت؟ لماذا تدفعون الناس إلى توجيه التهم إلى الله؟أنتم تقاتلون أنفسكم. لماذا تندبون كالوثنيين الذين لا رجاء لهم بالقيامة؟" علينا فقط أن نتبنّى فكره.فليكس مؤرخ القرن الأول يوجّهنا إلى كيف ينبغي بنا أن نزيّن جنازاتنا في وصفه الجنازات المسيحية في الأزمنة المسيحية الأولى:"لا يوجد ندب في جنازاتنا. لماذا وجوده؟ نحن نزيّن جنازاتنا بالهدوء العظيم، كما نزيّن حياتنا، لا توضَع أكاليل الزهور التي تذبل على جبين الميت، لأننا نرجو أكاليل دائمة الاخضرار أبدية، بهدوء واحتشام، محفوظين في فيض إلهنا وتسامحه، نحن نُفعَم بهجةً بالرجاء بالفرح الآتي والثقة بعظمة الله الحاضرة، وهكذا نحن نرتفع بالبركة ونحيا بتأمّل ما سوف يأتي".تريدون أن نكفّن أنفسنا بالسواد خوفًا من الموت، من أجل أنفسنا أم من أجل الراحل؟ يؤدّبنا الأب أمبروسيوس أسقف ميلان في كلامه:"يرهب التافهون من الموت وكأنّه كلّه شرور، الحمقى يخشون الموت، إمّا لأنهم يظنون أنّه يعني الإبادة، أو لأنّهم مرعوبون بروايات عنه.مراتب الأبالسة، منحدرات الظلام العالية، وغيرها".لنرمي هذه الأمور وراءنا، وتعالوا إلى فهم معنى الموت الأرثوذكسي، ولنضع جانبًا ثيابنا السوداء غير الأرثوذكسية ولنفرح صارخين مع القديس غريغوريوس اللاهوتي:"أنا أؤمن بكلمات الحكماء، لأن كل نفس مرهفة ومحبة لله، عندما ترحل من هنا، تتقدّم مبتهجة للقاء ربّها. وتدخل فرح السعادة المهيأ لها".إن الثياب السوداء غير ملائمة ومعيبة للجنازات والذكرانيات الأرثوذكسية، وكأننا ندخل غرفة زفاف مرتدين ثيابًا سوداء كئيبة، ألم تسمعوا بأننا نحتفل بالجنازات والذكرانيات؟ لا، فلنلبس ثياب الإكليل من البياض والذهب، ولنرمِ جانبًا الندب ونحمل الرجاء، كما يعلمنا أبونا يوحنا الذهبي الفم:"لا مكان للدموع حيث تكون المعجزات وحيث يُحتَفل بهذا السر، اسمعوا لي، أنا أرجوكم. يُحتَفَل بسر عظيم عندما يرقد أحد ما، إذا كنا نجلس معًا وقد أرسل الإمبراطور في دعوتنا إلى قصره، أيكون من الصواب أن ننوح ونندب؟ ألا تعرفون أيّ سرّ يجري الآن، وكم هو رائع ومستحق للترنيم والمديح؟إنّه سر عظيم من أسرار حكمة الله، النفس تتقدّم مسرعة إلى ربها، وأنتم تندبون؟إذ كما أن الشمس تشرق ساطعة بهية، كذلك النفس بعد أن تترك الجسد بضمير نقي، تلمع بالبهجة.تترك النفس الجسد برفقة الملائكة، فكّروا في كيف ينبغي أن تكون!في أية دهشة، وأية روعة، وأي ابتهاج! فلماذا تندبون؟هذا هو سبب الصلوات والمزامير والتمجيد لله: حتى لا تندبوا ولا تنوحوا بل بالأحرى لتشكروا الله الذي أخذ الراقد"إذًا لا يكلمني أحد بعد اليوم عن الثياب السوداء في الجنانيز والذكرانيات، إنّها فقط تلهي عقول شبابنا وتحوّل اهتمامهم عن إنجيل المسيح، إنّها ضد الأرثوذكسية بالكليّة ومخالفة لإنجيل المسيح في جنازاتنا وذكرانياتنا فلنمزج حزننا بالابتهاج، وإذا عجزنا عن الابتهاج، فأقلّه فلنتعزّى بكلمات الذي وعدنا بأنّه: "لا الحياة ولا الموت. تستطيع أن تفصلنا عن محبة الله التي في يسوع المسيح ربنا ". آمين.ربما يسائل البعض بناء على هذا الموضوع عن لباس الكهنة الاسود وفرش المذبح بالسواد في جمعة الالالم.عندما ترتدي الكنيسة السواد في اسبوع الالام فهي ترتدية لمدة اسبوع لنتذكر بشكل محسوس تلك الالام، ولا يبقى السواد طوال السنة، وبعد اسبوع الالام مباشرة يحتفل المسيحيين في العالم قاطبة بعيد قيامة الرب يسوع المسيح من بين الاموات وتفرح الكنيسة بهذه القيامة وتصبح بهيه وبهيجة لاختفاء السواد منها.لكن لبس رجال الدين للون الاسود لا دخل له بالحزن او بموضوع الحداد فلا يجب الخلط بينهما، بل لما لهذا اللون من مهابة وايضا انه يستر الكثير من الاوساخ والاتربة التي كان يتعرض لها رجال الدين اثناء حياتهم وعملهم بالارض او سكناهم كهوف الجبال او بالاديرة.فالأسود بالنسبة للراهب هو علامة موته عن هذه الدنيا.لكن بالمقابل ترى ان الكثيرين من رجال الدين الكهنة والرهبان يرتدون اللون الابيض او الفضي... أو اللون البنفسجي للخوارنه...أو اللون الاحمر للبطريرك والمطارنة.بالاضافة الى الالوان البهية والمفرحة في حلة الكهنوت التي يرتديها الكاهن اثناء تقديم الذبيحة الالهية.لذلك لا يجب الربط بين السواد والمبالغة بارتدائه في الحداد وبين لباس الكاهن الذي يميزه عن لباس سائق التكسي ولباس العسكري ولباس الفلاح...الخ. فلكل مهنة لباسها الخاص المميز.والرب يبارككم.
مشاركة :