ريال مدريد 1985 - كارثة نتائج وعقم تهديفي وفريق على حافة الهاوية

  • 10/19/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في الثامنة صباح يوم 24 مايو 1985، جرت عملية نقل السلطة من لويس دي كارلوس إلى خلفه في رئاسة ريال مدريد: رامون ميندوزا. دي كارلوس الذي تنحى عن قيادة النادي الملكي قبل عام كامل على نهاية ولايته، وقف في شموخ ليلقي خطبته الأخيرة كرئيس لريال مدريد: "أنا راضٍ تماما عن قدرتي على ترك الرئاسة، ضميري مرتاح بعد أن أتممت واجبي. لو كنا في مؤسسة عسكرية، لعلّقت قائلا: تم الأمر دون خسائر، أيها الجنرال". ووسط الكثير من تصفيقات الحضور في قاعة الألقاب بالنادي، وعلى رأسهم إنريكي تييرنو جالفان عمدة مدريد، صعد ميندوزا –الرئيس القادم- ليلقي كلمته، بعد أن انتهت فترته كمعارض، وبدأ اختباره الحقيقي في ذمام الحكم. قال ميندوزا: "منذ أن صرت عضوا في ريال مدريد وقت بلوغي 12 عاما، حلمت أن أكون رئيسا للنادي. ولكن، أتمنى يوم رحيلي، أن أتحلى بنفس الكرامة التي تحلى بها لويس دي كارلوس". ........................................................... في 2018\2019، وصل ريال مدريد إلى 409 دقيقة دون تسجيل هدف، ثاني أسوأ سلسلة عقم هجومي في تاريخ الفريق. أما أطول سلسلة، فتعود لذلك الموسم الذي انتهى على رحيل الرئيس دي كارلوس: 1984\1985، وقتها قضى ريال مدريد 496 دقيقة دون أن يرى شباك المنافسين. هذا الرقم هو واحد من عدة أرقام قياسية سلبية عرفها ريال مدريد في ذلك الموسم الغريب.. دعونا نستعرض كواليسه إذا، ونرى كيف خرج ريال مدريد من أزمته، ليكون أقوى من أي وقت مضى. ..................................................... بعد موسمين دون ألقاب، وبعد خسارة الدوري للموسم الرابع على التوالي، قرر لويس دي كارلوس أن يرحل المدرب ألفريدو دي ستيفانو في صيف 1984، وأن يخلفه أمانثيو أمارو. أمانثيو الفتى الذهبي لريال مدريد في الستينيات والسبعينيات، كان حديث الشارع المدريدي قبل أسابيع من توليه تدريب الفريق الأول، بعد أن قاد ريال مدريد كاستيا لإنجاز تاريخي بالتتويج بدوري القسم الثاني الإسباني، ولولا وجود فريق ينتمي إلى نفس المؤسسة في القسم الأول، لصعد الفريق. هذا الإنجاز الخارق، تزامن مع تصعيد عدة لاعبين شبان إلى الفريق الأول، وهو المشهورون بلقب "سِرب النسر". اقرأ: "سرب النسر".. عندما خيّم ريال مدريد على سماء إسبانيا وبالتالي رأت الإدارة أن تصعيد هؤلاء الشبان رفقة مدربهم سيكون مفيدا للمجموعة، وللهبوط بمعدل الأعمار المرتفع في صفوف الفريق. وقتها كان الغريم التقليدي برشلونة يعيش سنوات من التخبط المحلي، 10 سنوات دون الفوز بالدوري، ومدرب إنجليزي جديد يُدعى تيري فينابلز لا يمتلك أي خبرة بالملاعب الإسبانية. قُرعة مسابقة الدوري حملت إثارة مبكرة: برشلونة سيحل ضيفا على ريال مدريد في ملعب سانتياجو برنابيو بالجولة الأولى، للوقوف على صورة أكثر دقة لشكل الفريقين مع المدربين الجديدين. النتيجة: فوز كاسح لبرشلونة بثلاثة أهداف دون رد، وأطنان من الضغوطات الإعلامية المباشرة على أمانثيو. في الجولة الثانية تعادل ريال مدريد أمام سبورتنج خيخون، قبل أن يسقط في الجولة الثالثة على ملعب رامون سانشيز بيزخوان أمام إشبيلية.. وهنا، ظهر الرقم القياسي السلبي الأول: أسوأ انطلاقة لريال مدريد في تاريخه بالدوري الإسباني. تعادل وهزيمتين في 3 جولات شيء لم يكن قد حدث لريال مدريد إلا موسم 1929\1930، وتكراره بعد 55 عاما ترك الجماهير والإعلام في صدمة كبيرة. النتائج السلبية والتعثرات تواصلت طوال الدور الأول، عدم استقرار في النتائج وتخبطات في التشكيلة والأداء، قبل أن ينفجر الوضع في نوفمبر. أزمة خوانيتو ريال مدريد كان مسافرا إلى بلجيكا لمواجهة أندرلخت في ذهاب ثمن نهائي كأس الاتحاد الأوروبي، عندما لم يجد خوان جوميز "خوانيتو" اسمه في القائمة المرتحلة إلى بروكسل. خوانيتو ذو الدم الحامي داخل وخارج الملعب، خرج بتصريحات عدائية في كافة الاتجاهات: "إنها آخر 7 أشهر لي مع ريال مدريد، أنا واثق من ذلك، إلا لو تبدّلت الأوضاع. كنت قريبا من الرحيل في الموسم الماضي، ولكن بسبب ما قدّمته في الملعب تمكّنت من تخطي الوضع، وهم لم يستطيع التخلُص مني". "في النادي هناك من يحاول طردي، ولكنه غير قادر على ذلك، لأني أثبتت مدى تأثيري كلاعب. الرئيس لويس دي كارلوس متفاهم معي، وهو شيء لا ينطبق على أشخاص آخرين". "تحدّثت مع دي ستيفانو أكثر من أمانثيو. وعلى الرغم من أن دي ستيفانو شخص خجول، إلا أنه يعبّر عن آرائه بصراحة وشجاعة". "على اللاعبين أن يتوقفوا عن بعض الممارسات، مثل حمل الكتاب الخاص بالنظام الداخلي للفريق، إنها أمور انتهى عصرها ويجب التخلص منها. لا أعتقد أنهم سيعاقبونني على تصريحاتي هذه، ولكن إن فعلوا، فسأقدّم احتجاجا للاتحاد الإسباني، لا يمكن أن يحرمونني من إبداء رأيي". ريال مدريد ضم وقتها لاعبا يُدعى خوان لوثانو في خط الوسط، فتى هاجرت عائلته إلى بلجيكا في صغره، وهناك برز مع أندرلخت، ليستقدمه ريال مدريد، مع آمال كبيرة من لوثانو في تمثيل منتخب إسبانيا بعد أن رفض بلجيكا. إلا أن آمال لوثانو تحطمت مع عدم استقرار في المشاركة على الرغم من أنه كان اللاعب الأغلى في تاريخ النادي. يقول خوانيتو يقول عن وضع زميله: "يجب أن يشارك لوثانو، لقد دُفِن وحُطمَت معنوياته، ماذا تنتظر منه عندما يرى أنه مستبعَد، بينما يشارك لاعبون آخرون من الأفضل لهم أن يغلقوا أفواههم. هذا يمكن أن يخلق المشاكل في غرفة خلع الملابس". "أنا لا أعبث مع أي شخص، أفصح فقط عما يتبادر إلى ذهني". "الفريق يفتقد إلى الشخصية، ويشعر بالتوتر. نلعب بشكل سيء جدا بشكل متكرر". في بروكسل بعد يومين، استبعد أمانثيو اللاعب لوثانو من التشكيلة التي ستواجه فريقه السابق أندرلخت، وريال مدريد سقَط بشكل فادح بنتيجة 0-3. أما خوانيتو، فغرّمه النادي 140 ألف بيزيتا (العملة الإسبانية)، إلا أن اللاعب تراجع عن تهديده المسبق بالاستئناف، وتقبّل العقوبة، وأعلن في مؤتمر صحفي امتناعه عن الإدلاء بتصريحات صحيفة حتى نهاية مسيرته! خوانيتو اعتذر أيضا لزملائه بعد أن مسهم في تصريحاته التي دافع فيها عن لوثانو. ريمونتادا في 12 ديسمبر 1984، امتلأ ملعب سانتياجو برنابيو بأعداد تفوق سعته الرسمية، بسبب عدم إذاعة مواجهة الإياب أمام أندرلخت على التلفاز. المباراة شهدت مشاركة لوثانو منذ البداية، ولم يحتج وقتا طويلا قبل أن ينفذ ركنية في الثالثة وجدت رأس مانولو سانشيس، التي حوّلتها مباشرة إلى شباك أندرلخت.. بداية الريمونتادا. الدقيقة 16: خورخي فالدانو ينطلق ويقتحم منطقة الجزاء، يراوغ المدافع، يُرسل عرضية، ورأسية جديدة من إيميليو بوتراجينيو هذه المرة.. 2-0. النسر يستغرق وقتا طويلا في الاحتفال، والمخضرم خوسيه أنطونيو كاماتشو يطلب منه الإسراع في العودة لاستغلال ارتباك البلجيك. الدقيقة 29: بوتراجينيو يرد الهدية لـ فالدانو، ويهديه كرة الهدف الثالث.. تعادل في مجموع المباراتين. الدقيقة 34: حدث ما كان يخشاه المدرب أمانثيو.. أندرلخت سجل هدفا بواسطة بير فريمان، والصمت خيّم على ملعب برنابيو بشكل مخيف.. مدريد يحتاج إلى هدفين الآن. الدقيقة 39: لعبة فنية رائعة بين بوتراجينيو وريكاردو جاييجو، والنسر يرسل عرضية جديدة لـ فالدانو وإعادة كربونية للهدف السابق.. 4-1. الدقيقة 47: مباشرة بعد العودة من غرفة خلع الملابس.. بوتراجينيو يسجل الهدف الخامس. الدقيقة 52: بوتراجينيو يؤمّن التأهُل، ويسجل الهدف السادس. 6-1 النتيجة النهائية، 6-4 في مجموع المباراتين.. ريال مدريد إلى ربع النهائي. يقول بول فان هيمست مدرب أندرلخت بعد المباراة: "لعبنا بـ5 مدافعين، ولكن بالنظر للطريقة التي هاجمنا بها ريال مدريد، توجّب علينا اللعب بـ10 مدافعين". ............................................. انهيار محلي مع نهاية الدور الأول، وعلى الرغم من الوضع المتخبط، إلا أن مستقبل موسم ريال مدريد لم يكن مظلما جدا. الفريق متقدم في المنافسة الأوروبية، ومحليا يتأخر بـ4 نقاط عن المتصدر برشلونة.. يمكن التدارك. ولأجل التدارك، توجب استغلال الارتحال إلى كتالونيا في مطلع الدور الثاني. مواجهة كامب نو المصيرية سيعني الفوز بها تقليص الفارق إلى نقطتين، والعودة بقوة لصراع اللقب. ميتشل جونزاليس كان موقوفا عن ريال مدريد لـ3 مباريات بعد طرده أمام إيركوليز، وأمانثيو كان حائرا، هل يغامر ويلعب بالثلاثي الهجومي: بوتراجينيو وفالدانو وكارلوس سانتيانا، أم يتحفّظ في انتظار مجريات المباراة. في نهاية الأمر، استقر على إبقاء القائد سانتيانا على مقاعد البدلاء، وزاد من عدد لاعبي الوسط، لكنه تأخر في النتيجة بواسطة جيراردو بالدقيقة 25. أما ما تبقى من الشوط الأول، فحمل أنباء سارة لريال مدريد، مانولو سانشيس أدرك التعادل للعاصميين، قبل أن يتلقى فيكتور مونيوث لاعب وسط برشلونة البطاقة الصفراء الثانية في الدقيقة 35 بعد تدخله العنيف في حق مانولو، ويترك زملائه بنقص عددي.. وضعٌ انتظر الجميع أن يستغله المدرب أمانثيو. مدريد سجل مجددا بواسطة فالدانو، إلا أن الحكم ألغى الهدف بداعي التسلل، ليخرج الشوط متعادلا. إلا أن أمانثيو لم يقم بأي تطوير هجومي بين الشوطين، وأبقى على تحفظه، فتلقى الهدف الثاني برأسية ميجيلي. هنا هرع أمانثيو إلى مهاجمه سانتيانا، وأقحمه بدلا من المدافع خوسيه أنطونيو سالجيرو.. مغامرة كانت متأخرة، وأعقبها هدف ثالث لبرشلونة بواسطة إستيبان. أما هدف بوتراجينيو قبل دقيقة على النهاية فكان متأخرا جدا، ولم يمنع ريال مدريد من السقوط 2-3، ليوسّع برشلونة الفارق مع مطارده إلى 6 نقاط، فارق مريح نسبيا في صدارة المسابقة. أما لوثانو الذي استبعده أمانثيو من المباراة بشكلٍ مفاجئ، فخرج بتصريحات ساخنة بعد المواجهة: "أمانثيو قادر على إحباط رجل ميت، لقد شوشني بالكامل وتركني في حيرة من أمري. كل مدرب في العالم لديه فريق أساسي في ذهنه، ولكن الوضع مع أمانثيو وكأنه يملك 150 تشكيلة". الإدارة غرّمته 100 ألف بيزيتا، وأمانثيو تعرّض لانتقادات كبيرة بسبب عدم استغلال النقص العددي في صفوف برشلونة. ليخرج أمانثيو ويدافع عن نفسه: "دائما ما أعطي حرية هجومية للاعبي الوسط حتى ينضموا للهجوم. لا يمكنني أن أتصرف بانفعالية زائدة مع مجريات المباراة لأن الوضع يمكن أن ينقلب ضدي. بالإضافة إلى أن الحكم ألغى هدفا شرعيا، وتقريبا لم يتحدث أي شخص عنه، لتغيّر شكل المباراة لو احتسب الحكم هذا الهدف، ولأخذت الانتقادات اتجاها آخر". بعد عدة أيام، واصل أمانثيو تصريحاته التي لم تعجب الجمهور: "على جماهير ريال مدريد أن تعيش الحاضر، وتدرك أن هذا الفريق لا يضم كوبا وبوشكاش وخينتو". "ربما حتى أكون قادرا على إصلاح كافة الأمور، فسأحتاج إلى عامين، وهي مدة عقدي مع النادي". "في أي مرحلة تغيير كالتي نعيشها في مدريد، مع تصعيد لاعبين شبان للفريق الأول، ومع مدرب جديد؛ يجب أن نتحلى بالصبر. أعلن أن الجماهير تريد منا اللعب بشكل أفضل، أسمع هذا منذ قدومي إلى مدريد عام 1962، المدربون هنا يطمحون دوما إلى اللعب بشكل جيد والفوز فوق ذلك، ولكن الجمع بينهما يكون صعبا في بعض الأحيان". كارثة وتنحي هدوء أمانثيو في تصريحاته كان نابعا من جهله لما ينتظر موسم ريال مدريد المحلي بعد تلك الخسارة في برشلونة، لأن الفريق في الـ7 مباريات التالية، لم يحقق أي فوز! 8 مباريات متتالية دون فوز في دوري 85، هو الرقم القياسي الصامد بتاريخ ريال مدريد. ريال مدريد احتاج 50 يوما في العام 1985 حتى يحقق فوزه الأول، حدث ذلك متأخرا جدا، بعد أن تقهقر الفريق للمركز الخامس. العواقب كانت وخيمة، لأن خسارة الدوري –عمليا- للموسم الخامس على التوالي، تزامنت مع أزمة اقتصادية في النادي، ومع قرارات إدارية خاطئة، ربما على رأسها تولية أمانثيو المفتقد للخبرة. دي كارلوس جمعته علاقة قوية مع أمانثيو، ويعتقَد أنه قرر في نفسه إقالته بنهاية الموسم منذ شهر فبراير، وهو الشهر الذي خرج فيه دي كارلوس معلنا تنحيه عن رئاسة النادي بنهاية الموسم، والدعوة لانتخبات مبكرة، ليقرر الرحيل مع مدربه الذي وضع فيه ثقته. صرّح دي كارلوس قبل إعلانه التنحي بفترة قصيرة: "جميعنا شركاء، وبصفتي الرئيس، فأنا متحمّل للأخطاء التي حدثت، وشريك في المسؤولية". أسباب للأزمة بخلاف قلة خبرة أمانثيو وبعض القرارات التحكيمية الخاطئة ومهاجمة اللاعبين علنا لمدربهم، فغرفة خلع ملابس ريال مدريد شهدت الكثير من الكوميديا السوداء. يُقال أن اللاعبين سخروا باستمرار من جهازهم الفني بكتابة بعض العبارات –سرًا- على لوحة شرح التكتيك. ذات صباح وجدوا عبارة: "الخيال يمنحك القوة" في سخرية مباشرة من أمانثيو الذي أخفى عنهم التشكيل دوما، واعتاد أن يكشفه لهم قبل لحظات قليلة من انطلاق المباراة. وفي يوم آخر، وجدوا عبارة: "للكرة استخدامات أكثر من مجرد التوقيع عليها". وهي عبارة اعتاد ميروسلاف فورجيتش المعد البدني ترديدها. فورجيتش كان رجلا يوغوسلافيا صارما، عمل في النادي لسنوات طويلة في أدوار مختلفة، وفي ذلك الموسم تولى رفع لياقة الفريق الأول، وليس سرا أنه عذّب لاعبي ريال مدريد. كان مهووسا، يهاتف اللاعبين في منتصف الليل وفي العطلات، ليتأكد من وجودهم في منازلهم ومن اتباعهم الدقيق لتعليماته. الأحمال البدنية وصلت أقصاها، وتعرض الكثير من اللاعبين لإصابات عضلية تركت المدرب أمانثيو في حيرة بالعديد من المباريات، خصوصا أن القائمة ضمت بضعة لاعبين فوق الثلاثين، وبالتالي لم يحتملوا هذا المجهود الخارق. واللاعب أولي شتيليكه صرّح علنا: "نحن لا نتدرب بتلك الحدة في ألمانيا حتى". على الهامش: فورجيتش خرج عام 2011، وادعى أن ريال مدريد مدين له بـ173 يورو لم يتقاضاها حتى اللحظة. الجنون استمر في السيطرة على أجواء الفريق، لدرجة أن اللاعبين رفضوا مشاركة بوتراجينيو في الغرفة، ليس لصوت مزعج في نومه أو ضوضاء مسائية يعكف عليها، بل لأن الإحصائية أظهرت أن من يشاركه الغرفة، لا يبدأ المباراة التالية! كما ضم الفريق 10 لاعبين تنتهي عقودهم بنهاية الموسم، دون استقرار واضح على مستقبلهم، مما قتل الحوافز عند أغلبهم. النهاية في 30 مارس 1985، سجل فالدانو الهدف الثالث في شباك ريال سوسيداد بالدقيقة 89 من عمر المباراة.. وبعدها سيحتاج ريال مدريد إلى 496 دقيقة ليسجل مجددا! ما حدث أن مدريد سقط في الجولة التالية بأربعة أهداف نظيفة على ملعب سانتياجو برنابيو أمام أتليتكو مدريد، قبل 3 أيام من المواجهة الأوروبية أمام إنتر على ملعب جوزيبي مياتزا بنصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي. البعثة المسافرة إلى ميلانو عرفت أن إنقاذ الموسم منوط بالخروج من فخ الفريق الإيطالي، إلا أن أمانثيو افتقد لعديد من لاعبيه في تلك المواجهة، وحلت الكارثة. إنتر فاز بهدفين دون رد، نتيجة كانت مرشحة للزيادة لولا تألُق الحارس المدريدي ميجيل أنخيل جونزاليس في وجه تسديدات أليساندرو ألتوبيلي. الاسكتلندي ليام برادي لاعب إنتر، عبث بدفاعات ريال مدريد، وصنع الأهوال في كل بقعة من بقاع الملعب. ريال مدريد عاش كابوسا، وقدّم واحدة من أسوأ مبارياته الأوروبية، دون روح، دون رد فعل، دون رغبة حقيقية في الانتصار. لم تمر أيام قليلة، وخسر ريال مدريد للمباراة الثالثة على التوالي، 0-1 أمام فالنسيا في ملعب ميستايا، غياب عن التسجيل لـ271 دقيقة متتالية، وحان وقت القرار الحاسم. دي كارلوس، أخيرا وبعد الكثير من الصبر، اجتمع لـ3 ساعات مع مجلس الإدارة والمدرب أمانثيو، وقرروا تغيير الجهاز الفني لإنقاذ الموسم وحفظ صورة الفريق. إلا أن أمانثيو قرر هدم المعبد فوق رؤوس الجميع، وتقدّم بتقرير صادم للإدارة قبل رحيله، كشف فيه عن كواليس ما بعد الخسارة أمام إنتر في الفندق. ما حدث أن فالدانو خرج لمقابلة مواطنه لويس سيزار مينوتي المدرب السابق لمنتخب الأرجنتين الذي تواجد في ميلانو وقتها، ولم يعد للفندق سوى في الرابعة صباحا. فالدانو صرّح: "لقد ذهبت للتمشية مع مينوتي، لأنه صديقي، لأنني شعرت بحاجتي إلى ذلك". أما الواقعة الأسوأ، فحدثت في غرفة لوثانو وخوانيتو، أقاما حافلة صاخبة امتلأت بالمرح، وأمانثيو لم يخف الأمر عن الإدارة. ليخرج لوثانو بتصريحات عنيفة للمرة الثانية في الموسم: "إنه شأن خاص، الآن ستحمّلون الأشخاص الذين يشاركون بصفة نادرة مسؤولية الوضع السيء للفريق؟ أريد فقط القول أن أمانثيو كمدرب لم يحالفه الحظ مطلقا، ولكن على المستوى الشخصي، فمؤهلاته صفر، ومن الجلي أنه واشٍ. في غرفة خلع الملابس، لم يكن ليقدر على النظر في أعيننا حتى". يُقال أن أمانثيو لم يودع اللاعبين ولم يشكرهم عندما صدر قرار رحيله، وهو أمر لم يتقبله اللاعبون. أما خوانيتو، فصرّح بشكل مقتضب: "سأحظى بفرصة التصريح ببعض الأمور في حق 4 أشخاص.. عندما أعتزل". الإدارة غرّمت فالدانو 50 ألف بيزيتا، ووقّعت غرامة 400 ألف بيزيتا على كلٍ من لوثانو وخوانيتو، مع استبعادهما من صفوف الفريق. أما المدرب البديل، فلم يكن هناك وقتا كافيا لاستقدام مدرب كبير، ولذا حدث اللجوء الاعتيادي إلى رجل الإطفاء: لويس مولوني. مولوني التطرق إلى مدرب الطوارئ لويس مولوني، يجبرنا حتمًا إلى العودة 40 عاما إلى الخلف، لنتحسس سريعا قصة مولوني الغريبة، والتي تلقي بظلالها دون شك على ولايته الطارئة عام 1985. بدأ الأمر على متن قطار عام 1947، الراكب كان سانتياجو برنابيو رئيس ريال مدريد، والقطار توقّف في مدينة لوجو الكتالونية، لينزل برنابيو لشراء جريدة محلية، ويفاجأ بخبر إرسال برشلونة أحد الإداريين على قارب إلى جزر الكناري للتعاقد مع مولوني. برنابيو كان يعرف مولوني، لاعب في فريق مارينو، سريع للغاية ويمتلك مهارة عالية، أشقر ويختلف في هيئته عن أبناء جزر الكناري، بسبب انحداره من أصول أيرلندية. ولم يكن برنابيو ليقبل أن يهزمه برشلونة في تلك الصفقة، فهاتف النادي على الفور، وتواصل مع خاثينتو مدرب ريال مدريد بكلمات قصيرة: "أحضر 250 ألف بيزيتا من أوراق نقدية جديدة، ضعها في حقيبة، استقل طائرة، اتجه إلى جزر الكناري، وعُد رفقة مولوني". ولأن الطائرة أسرع من الباخرة، فقد تعاقد خاثينتو مع مولوني قبل أن يصل مندوب برشلونة إلى جزر الكناري حتى. بعد أسابيع قليلة، سجل مولوني هدفه الأول في مع ريال مدريد في ظهوره الأول، وفي شباك برشلونة. مسيرته الناجحة كلاعب مع ريال مدريد لـ11 عاما، لم تكن النهاية، فعندما جلس على مقعد المدرب، أظهر قدرات أكثر خطورة. في موسم 1973\1974، رحل المدرب ميجيل مونيوث عن تدريب ريال مدريد بعد 14 عاما من النجاحات، والبديل الاضطراري كان مولوني. هذا الموسم انتهى على فوز برشلونة بالدوري لأول مرة منذ سنوات طويلة، ولكن مولوني انتقم منهم في نهائي الكأس وهزمهم 4-0، معيدا بعضا من كرامة ريال مدريد الذي سقط أمام رفاق يوهان كرويف بخماسية نظيفة في وقت سابق من الدوري. ورحل مولوني مباشرة بعد أن انتهت مهمته.. ليخلفه اليوغوسلافي ميليان ميليانيتش الذي جاء ليقضي 3 سنوات مع الفريق، وعندما حانت ساعة رحيله بالأسابيع الأولى من موسم 1977\1978، من كان المنقذ؟ مولوني حضر مجددا وقضى موسمين في المهمة، انتهيا على التتويج بالدوري في كليهما. ورحل مولوني لأن الإدارة أرادت تحقيق مجدا أوروبيا، فاستقدمت اليوغوسلافي فويادين بوشكوف الذي قضى موسمين ونصف تقريبا، وعندما أقيل، استنجدت الإدارة بـ مولوني للمرة الثالثة، لينقذ الفريق في عدة أسابيع، ويخطف بطولة الكأس. ورحل مولوني من جديد، وحل محله دي ستيفانو.. وتعرفون بقية القصة. عودة إلى 1985 مولوني شغل حينها منصبا إداريا في ريال مدريد، ووافق على تولي تدريب الفريق في تضحية كبيرة بالنظر للوضع الراهن، لتطلق عليه الصحافة لقب "رجل الإطفاء". ليصرّح دي كارلوس بعد رحيل أمانثيو: "علينا أن نتفحص ضمائرنا".. كررها عدة مرات، ووجه رسالة خفية للاعبين المتقاعسين. وواصل دي كارلوس: "علينا أن نتخطى المزاج السيء المسيطر على المجموعة، لأن أغلبنا لم يقدر على الارتقاء للمستوى المطلوب. علينا أن نفكر فقط في يوم 24، أنتم قادرون على تخطي إنتر، إنها مباراة خطيرة لأجل الموسم، يجب ألا تحملوا الضغائبن، وأن تعود الحميمية لتجمعكم. لقد ظهرتم بشكل سيء، ولكننا سنتخطى ذلك ونحاول مساعدة المدرب، لأنكم إن لم تفعلوا، فلن تكون مجهوداتكم ذات قيمة تُذكَر". ولإبداء حسن النوايا، فقد وافق دي كارلوس على عودة خوانيتو ولوثانو للفريق، بطلب من القائدين كاماتشو وسانتيانا. إلا أن ريال مدريد لم يقدر على تحقيق فوز معنوي في الجولة الأخيرة من الدوري على حساب إيركوليز، وخسر بهدف نظيف.. مباراة رابعة على التوالي دون تسجيل، وبداية ليست مثالية للمدرب مولوني. معجزة إنتر مباريات ريال مدريد الأوروبية في السبعينيات والثمانينات، تعج بالعودة من الخلف بعد التأخر ذهابا، وبنتائج عريضة للغاية، إلا أن مباراة إنتر اكتسبت صعوبة خاصة، بحكم الظروف المحيطة بالمباراة. مولوني تحدّث في المؤتمر الصحفي: "هدف قبل الاستراحة سيعيد لنا الثقة". تشكيلة ريال مدريد شهدت بعض التعديلات، خصوصا مع إصابة بوتراجينيو. مولوني أصر على اللعب بثلاثي هجومي صريح في المقدمة: فالدانو، سانتيانا، فرانثيسكو بينيدا الذي لا يشارك كثيرا. أما الإجراء الدفاعي الأهم، فكان تخصيص الظهير الأيمن تشيندو لمراقبة ليام برادي بصرامة، لتجنُب تكرار ما حدث في الذهاب. ريال مدريد بدأ بهجوم كاسح وسيل من الهجمات، بغية إنهاء العقم التهديفي الذي توسّع مع مرور كل دقيقة. في الدقيقة 12، وبعد 496 دقيقة من الهدف الأخير لريال مدريد، نجح لاعبو الفريق في زيارة الشباك أخيرا! سانتيانا استغل فوضى في منطقة الجزاء، وتكفّل بإدخالها إلى موضعها النهائي، ليفك العقدة، ويبدأ العودة المستحيلة. في الدقيقة 42، تعادل ريال مدريد برأسية سانتيانا، وانفجر ملعب برنابيو، خوانيتو الجالس على مقاعد البدلاء ركض بشكل جنوني، وقفز فوق ظهر سانتيانا.. انتهت المشاكل في غرفة خلع الملابس، وتوحّد الجميع خلف إكمال العودة في شوط المباراة الثاني. بعد 10 دقائق من انطلاق الشوط الثاني، كاد إنتر أن يسجل هدفا، إلا أن الأرض انشقت عن الألماني شتيليكه الذي لحق بالمباراة بصعوبة بعد مشاكل في الكبد، وأبعد الكرة من على خط المرمى.. واحدة من آخر لقطات شتيليكه الذي سيرحل عن مدريد بنهاية الموسم. ولم تمر دقيقتين بعد تلك اللقطة الحاسمة، حتى سجل ميتشل جونزاليس الهدف الثالث الذي صعد بمدريد إلى المباراة النهائية. بعد العاصفة في النهائي، فاز ريال مدريد على فيديوتون المجري 3-1 في مجموع المباراتين، وتوج بكأس الاتحاد الأوروبي لأول مرة في تاريخه. لتتخذ الإدارة الجديدة قرارا مستحدثا: تجديد الثقة في مولوني، وعدم الاستغناء عنه مثلما حدث في الولايات السابقة. ليرد مولوني الجميل، ويعيد لقب الدوري لريال مدريد موسم 1985\1986 بعد غياب 5 مواسم، ويحافظ على لقبه للموسم الثاني تواليا في كأس الاتحاد الأوروبي. مدريد مضى ليحافظ على لقبه المحلي، ويعادل الرقم القياسي في الستينيات بتحقيق اللقب 5 مواسم متتالية. العصر الذهبي للنصف الثاني من الثمانينيات، بكثير من المتعة واللعب الهجومي والأهداف الغزيرة، سبقه مباشرة أسوأ سجل تهديفي في تاريخ النادي، سبقه سلسلة كارثية من غياب الفوز، سبقه أسوأ انطلاقة في الدوري للفريق العاصمي.. "مولوني كان شخصا عظيما بقدرات استثنائية على استخراج أفضل ما في الفريق مستخدما في ذلك فلسفة فريدة، لقد أتى وأنقذ الفريق في مواقف حساسة، ودائما ما انتصر". _إيميليو بوتراجينيو "مولوني كان قائدا يُحتذى بها، رجل رائع، مستقيم، أمين، صارم، لقد امتلك كل الصفات. لقد كان ذكيا، وفهم كرة القدم جيدا، وعرف كيف يختار اللاعبين بصورة سلسة". _فيسنتي دل بوسكي "لقد فاز بكل شيء كلاعب وكمدرب، وبغض النظر عن تلك الألقاب، فقد كان مولوني أسطورة في مدريد، لأنه عرف دوما كيف يحترم تقاليد النادي ويجعله عظيما". _بيب جوارديولا اقرأ أيضا: جاء ليلحق بهم الهزيمة الأولى.. فييرا يقود الإسماعيلي للفوز على بيراميدز 5 أرقام من سقوط بيراميدز أمام الإسماعيلي 2-0 بالجولة 11 من الدوري مالك ماورفيرك: عائق اللاعب غير الأوروبي لن يبعدنا عن متعب.. ونريد مهاجم مصري آخر رسميا – لجنة القيم تستدعي مرتضى للتحقيق بعد شكوى الأوليمبية بالصور - صلاح يشارك في حملة إغاثة لتسونامي إندونيسيا

مشاركة :