بغداد - تترقب الأوساط السياسية والشعبية في العراق، الإعلان عن الكابينة الوزارية الجديدة، التي شكلها رئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي، وسط تسريبات متناقضة بشأن حسم مصير الحقائب السيادية. ووفقا لأحدث المعلومات القادمة من كواليس المفاوضات، فإنه سيتم، الأربعاء، على أقل تقدير، الكشف عن جزء من الكابينة الجديدة. وتسعى الأحزاب الشيعية إلى الحفاظ على حقيبتي الداخلية والنفط ضمن حصتها في حكومة عبدالمهدي، لارتباط الأولى بالعديد من الملفات الحساسة، التي يخشى خروجها إلى العلن، وارتباط الثانية بدخل البلاد المالي، فيما يبدو أن العرب السنة ضمنوا حقيبة الدفاع، لكنهم يتنافسون مع الأكراد على حقيبة الخارجية. وقالت مصادر مطلعة في بغداد لـ”العرب” إن “أحزابا شيعية متنفذة وقريبة من إيران، أجهضت خطط عبدالمهدي لتكليف ضابط سني بارز بحقيبة الداخلية، كما أنها رفضت مقترحا بتسمية مستقل لهذا المنصب”. وحتى الآن، تصر هذه الأحزاب على ترشيح فالح الفياض، وهو رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي أقاله رئيس الوزراء حيدر العبادي وعاد إلى المنصب بقرار قضائي، لحقيبة الداخلية، وسط ممانعة واضحة من عبدالمهدي. وتقول المصادر إن “الأحزاب العراقية القريبة من إيران لن تفرط في حقيبة الداخلية بسبب الملفات الحساسة المرتبطة بها، والتي لو خرجت إلى العلن ستحدث شقاقا كبيرا بين العراقيين”. وبحسب المصادر، يختلف الأمر قليلا مع حقيبة النفط، إذ يمكن لعبدالمهدي أن يكلف وزيرا مستقلا بشغلها، شرط “ضمان انتمائه الشيعي”. وبالرغم من أن رئيس الحكومة المكلف حصل على فسحة كبيرة من الاستقلالية في تشكيل كابينته، بعد تخلي عدد من الأطراف عن حصصها في حكومته، مثل الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، إلا أن “المحاصصة التي تحكم العملية السياسية في البلاد، ستفرض عليه الالتزام بالخطوط الشيعية الحمراء، بشأن إشغال الحقائب الوزارية”. إقرأ أيضاً: عادل عبدالمهدي رئيس الحكومة العراقية يغادر مكانه خلف المعممين وتقول المصادر إن “شيعة السياسة في العراق لا يمكن أن يفرطوا في ثلاثة مواقع، هي رئيس الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة النفط، وما دون ذلك يمكن أن تحسمه المفاوضات”. وحتى لو لم تتمكن الأحزاب الشيعية الموالية لإيران من ضمان شغل هذه المواقع الثلاثة من قبل ممثليها، فإنها ستحرص على شغلها من قبل شخصيات لا يمكن أن تتورط في ضرب ثوابت المصالح السياسية الشيعية في العراق. ويقول مراقبون إن “هذه الثوابت، ليست عراقية صرفا، لأن إيران أسهمت في صياغتها ورعايتها، حتى تحولت إلى عرف ثابت، وباتت بمنزلة القانون النافذ”. وكشف سياسيون عراقيون لـ”العرب” أن “عبدالمهدي قرب شخصيات بعيدة عن الأضواء عرفت بصلاتها الوثيقة بإيران، على غرار أبوجهاد الهاشمي، القيادي السابق في منظمة بدر”. ويضيف هؤلاء أن “الهاشمي هو المسؤول الفعلي عن التفاوض مع الأطراف الأخرى”. وينظر الساسة القريبون من ملف التفاوض إلى هذه الصيغة بوصفها “أفضل ضمان لمصالح إيران في الحكومة العراقية الجديدة”. وشهدت “بورصة” الوزارات تضاربا كبيرا خلال الأيام القليلة الماضية، لجهة صعود حظوظ حزب أو مرشح ما في تسلم وزارة، وتراجع حظوظ آخرين. ولاحظ مراقبون هجوما واسعا من قبل حسابات عراقية في وسائل التواصل على معظم الأسماء التي تسرب أنها رشحت لمناصب وزارية في حكومة العبادي. ويعتقد مراقبون أن هذا الهجوم يعكس تنافسا حزبيا كبيرا على الحقائب الوزارية، إذ تلجأ أحزاب إلى تحريك الشارع ضد المنافسين المحتملين من الأحزاب الأخرى، وعادة ما تستخدم “جيوشا إلكترونية” لهذا الغرض. ووسط هذا التنافس الحاد، غاب تماما الحديث عن البرنامج الحكومي الذي يجب أن يعرضه عبدالمهدي على البرلمان، رفقة الكابينة الجديدة. وقال مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” إن كل المؤشرات تؤكد أن الحكومة المقبلة ستكون عاجزة عن إحداث أي تغيير على مستوى الاستجابات للمطالبات الشعبية، مشيرا إلى أن المناصب الوزارية يتم توزيعها بين الأحزاب حسب خارطة موضوعة سلفا، لتكون مجرد واجهة تتوارى خلفها مصالح وأجندات تلك الأحزاب على المستويين الاقتصادي والسياسي. وأضاف المراقب أن إيران هي التي تقرر مصير وزارتي الداخلية والنفط، ذلك أن الأحزاب تعودت على اعتبارهما شأنا إيرانيا خالصا، مؤكدا أن الملفات الحساسة التي هي في حوزة وزارة الداخلية تخفي مستوى ونوع التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي الداخلي، وأن ما تتضمنه تلك الملفات من وثائق إنما يدين مشاريع الحرس الثوري الإيراني في تصفية معارضي إيران والنهج الطائفي الذي اتبعته حكومة نوري المالكي. وتعود أهمية وزارة النفط، وفق المراقب، إلى كون إيران في أمس الحاجة إلى أن تتحكم بالثروة النفطية العراقية في مرحلتها المقبلة التي ستشهد انقطاعا تدريجيا لتصدير النفط الإيراني تنفيذا للعقوبات الأميركية. ويخلص المراقب إلى أن حكومة محكوما عليها بالفشل هي الهدف الذي تتفق عليه الأطراف السياسية العراقية كلها، وهو فشل لن يحسب على عبدالمهدي شخصيا، ذلك لأن الرجل الذي جاء اختياره صدفة لم يعد بإنجاز أي شيء ولم يسبق له أن طرح برنامجا للتغيير. كما أن شخصيته غير الصالحة للدخول في نزاعات تسمح لصقور الطائفية بالاستمرار في هيمنتهم.
مشاركة :