مارلين سلوم ما زال الكتاب حيّاً، فلا تعلنوا وفاته غصباً، عبر الشائعات، والحديث فوق المنابر. انزلوا إلى الواقع، زوروا المعارض لتنشرح صدوركم وأنتم تستأذنون مواكب الأطفال، والشباب، وآبائهم، وأمهاتهم، لتستطيعوا العبور، والتجوّل بين الأروقة.من يروّج لفكرة «جهل الشباب والأطفال ثقافياً»؟ ولماذا ينعون الكتاب الورقي؟ مصطلحات وعبارات تتردد عبر المواقع، وفي كل مكان ترسّخ فكرة انتهاء زمن القراءة، وأن العلاقة بين الكتاب والأجيال الجديدة مقطوعة، فهم إما يفضلون القراءة الإلكترونية، أو ينشغلون بالألعاب والتسلية.. بينما في الحقيقة، ما من معرض أقيم في الإمارات إلا وكان الصغار أول الحاضرين فيه، وأول المشجعين على الشراء، بل إنهم المستهلك المثالي الذي يجبر الأهل على الشراء، وملء السلال، والعربات، والتسوق تماماً كما يتسوق الكبار المواد الغذائية داخل المتاجر.«بيج باد وولف»، معرض في مدينة دبي للاستوديوهات، شاهد على «الأقاويل» والحقائق الثقافية والقرائية. البعض قال إنه يحتضن ملايين الكتب الأجنبية، ولا وجود للعرب فيه، فإذا بجبران، ودرويش، والأدباء، وأبرز كتّابنا وشعرائنا بانتظارك هناك، بجانب الكتب المعرّبة من روايات وأشعار، وأوبرا عالمية، ومسرحيات، التي تغريك بلا شك لقراءتها والاحتفاظ بها في مكتبتك، ومنها ما تم نشره بأحجام صغيرة ولغة مبسطة يسهل على الصغار فهمها.البعض يقول إننا لا نملك ثقافة القراءة، ولا نربي أبناءنا عليها مثلما يفعل «الأجانب»، فإذا بالعائلات تتوافد من كل الجنسيات إلى المعرض، ولا يمكنك التمييز بين عربي وغربي وآسيوي. الأروقة مقسمة وفق الفئات العمرية، وتصنيفات الكتب التي تشمل الروايات الرومانسية، والأكشن والرعب، و«الكوميكس» التي يقبل على مشاهدتها الصغار والشباب في السينما.. وأجنحة للمذكرات والكتب السياسية، والتصميم الجرافيكي، وأيضاً جناح «المطبخ» يجد إقبالاً من كل الفئات العمرية.زيارة واحدة لأي من معارض الكتب لا تكفيك، يئن بدنك تعباً من الوقوف والتجوّل أكثر من ساعتين في المكان، بينما يشدك الشغف للبقاء أكثر والاستمتاع في هذا البستان الملوّن. تتأمل الأطفال والمراهقين، فإذا بهم أكثر تعلقاً بالمكان، ويودون لو أمكنهم قضاء اليوم بأكمله يتصفحون ويختارون ما يحلو لهم على مهل، كأن الفرصة لن تتاح لهم ثانية للعيش وسط عالم السحر والخيال، والعلوم، والاكتشافات والمعلومات والاختراعات، والأساطير، وكنوز المعرفة الثمينة. نعم، أنت تتعب وهم لا يتعبون. تأملهم كيف يدققون في كل كتاب ومعلومة، يختارون كتب شكسبير مثلاً، خصوصاً تلك التي تتناول سيرته، وتحلل الزمن الذي عاش فيه، وأفكاره والأجواء التي دفعته لكتابة تلك الروايات. يفاجئونك بتحديهم كل من يروج لجهلهم وابتعادهم عن القراءة، وضعف ثقافتهم. يتحدون الإفراط في الحديث عن تعلقهم بالتكنولوجيا، فيتمسكون أكثر فأكثر بالكتاب، وينتظرون بعد «بيج باد وولف» معرض الشارقة، أو عرسها الثقافي السنوي القريب. marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :