«نظرية المؤامرة» أم التفكير التآمري؟

  • 1/7/2015
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

من الغريب أن ينشط تعبير «نظرية المؤامرة» عند معارضيها أكثر مما عند مخالفيها، على رغم أنه لا توجد نظرية علمية في مجال العلاقات الدولية بهذا الاسم، وليس هذا التعبير غير تعبير ازدرائي ساخر من أنصار التفكير التآمري، لكن ما كرس شرعنة «النظرية» تكرارها وتواترها عند مفسريها ومنتقديها، فبدا أنها شرع علمي له قانونه وأنصاره. لكنْ ثمة تفكير تآمري لا نظرية له! ولم تنجح أحداث كووترغيت أو إيران غيت، في إثبات أن ثمة نظرية للمؤامرة تصلح للاستخدام. تأبى سمات التفكير التآمري ذاته وصف النظرية، كون ذاك التفكير عاطفياً وعشوائياً ومفككاً في أغلب الأحيان، يربط بين أطرافه العجز عن قبول الأسباب والتطورات الموضوعية للأحداث، أو تقديم إجابات مقنعة في تفسيرها. فهو أداة خطابية يستخدمها أصحابها في تأجيج العواطف السلبية ليحولوه لمصلحتهم أيديولوجيا أحياناً، كما أنه جبري وإرجائي لا يؤمن بفكرة المسؤولية والنقد الذاتي والمحاسبة، مكتفياً فقط بتكريس صورة العدو المتهم أبداً! وقد أتى تمكين التفكير التآمري من الاتجاهات الأيديولوجية والحسمية الكبرى، التي تنطلق من أساس الصراع والتدافع، شأن الجهاديات المعاصرة التي لا تتصور العالم إلا صراعاً وعداء وولاء وبراء في ساحات حرب دائمة مفتوحة، داخلياً وخارجياً. وتعبير «نظرية المؤامرة» أطلقه منتقدوها قبل مؤيديها، منذ ظهوره لأول مرة في مجلة أميركية عام 1909، ثم ازدهر التعبير مع الترهات النازية وبروباغندا هتلر وداعيته غوبلز، ثم مع مقتل كينيدي سنة 1963. ونشط التعبير في إطار الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، لوصف الاستهداف المتبادل والمخططات المتعارضة لكل من القطبين حينئذ. ووجد هذا النمط التفكيري حواضنه في منطقتنا مع توالي النكبات العربية، منذ 1948 حتى الآن، كما نشط مع خطابات الأزمة الأيديولوجية وشعاراتها المختلفة الدالة، وفي مقدمها الفكر الوحدوي ضد سايكس بيكو والدولة القطرية، وفكر المقاومة ضد إٍسرائيل، وفكر التحرر والمؤامرة الإمبريالية ضد الولايات المتحدة والغرب (مع اليسار ثم الثورة الخمينية)، وفكر مناهضة الاستعمار وصنائعه (الجهاديات السنية). وهي جميعاً بروباغندا تعبوية للصراع وباتجاه الانتماء لخطابه وغاياته الكبرى. وآخر صيحات التفكير التآمري أن داعش صناعة أميركية، وهذا بينما تقود الولايات المتحدة التحالفَ الدولي ضدها! وفي ذلك يتم تجاهل سياقات الثورة ثم الأزمة السورية، وقمع الحاكم لشعبه، واستدعائه الجهاديات الشيعية الموالية له، والتي تمثل رد الفعل عليها في الجهاديات السنية التي بدأت «نصرة» ثم تدعشت! كذلك لا ينتبه التآمريون إلى صحوة داعش العراقية، تبعاً لسياسات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التمييزية والطائفية ضد تجربة الصحوات، وضد المحافظات السنية، وكون أول ظهور للعدناني تم بعد فض اعتصام الأنبار السلمي بالقوة أوائل 2013، فاستفادت القاعدة من اتقاد مظلوميتهم مع ضعف بنية الجيش العراقي وعقيدته الوطنية، كما كشف مؤخراً في كانون الأول (ديسمبر) 2014، عن وجود خمسين ألف عسكري وهمي كانوا محسوبين على الكتائب التي فرت من وحداتها الست وتركت عتادها الأميركي الصنع لداعش! كما لم يصدق التآمري وهو يشكك في قيام «القاعدة» بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) قسم أسامه بن لادن وأيمن الظواهري بأن الأشاوس التسعة عشر هم من قاموا بغزوة مانهاتن؟ وإذا قلت إن كثيرين من قيادات القاعدة أقروا بذلك واحتفلوا، يسألك سائل: ومن صنع بن لادن والزرقاوي؟ ألم تصنعهم أميركا أثناء مرحلة الجهاد الأفغاني. هكذا يهرب من سياق إلى سياق منفصل متجاهلاً تفاصيلهما معاً. وتبدو المقولات الكبرى في التفكير التآمري حتميات تريح مرسلها ومستقبلها على السواء، وتحقق له التصالح والإحساس بالاكتفاء النظري. فهو يملك تفسير العالم ووقائعه وأحداثه جميعاً بكلمة واحدة كالشيطان الأكبر أو كلمتين كالغرب الإمبرياليِ! كما توفر له تلك الكلمة الراحة والتصالح والتوازن بين عواطفه المتحيزة ومواقفه التي يريد ألا تبدو كذلك. أنصار التفكير التآمري لم ينتبهوا إلى جسد محمد بوعزيزي المشتعل في 17 كانون الأول 2010 والذي آتى ثماره ثورة شعبية في تونس انتهت بهروب بن علي، ثم ما انتهى في مصر بتنحي مبارك. فهم يكتفون بكون ذلك كله مؤامرة! هكذا تكلم البعض عن حراك 25 يناير المصرية وهكذا يتكلم الإخوان عن حراك 30 يونيو. هنا أميركا وإسرائيل، وهناك أميركا وإسرائيل، وهناك آخرون، أما نحن فغائبون بلا أية مسؤولية.

مشاركة :