الخلل ليس في المذاهب وإنما في الممارسات الفردية التي تشوه الدين

  • 10/26/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

صنعت يومها من خلال علاقاتها مع الآخرين زمن طفولتها، فأكسبها ذلك خبرات في مراحل حياتها، مستلهمة صبر والدها وكفاحه ودقته في العمل، فيما أنيط بها من أعمال إدارية وأكاديمية طوال مشوارها العملي. ضيفتنا البروفيسورة نجلاء بنت حمد المبارك، عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، خصت (اليمامة) بحديث العمر، متطرقة لأهم محطات نجاحها على الصعيدين العلمي والعملي، ولأهم القضايا الإسلامية المعاصرة، بحكم طبيعة التخصص.. من خلال هذا الحوار. الطفولة r أين دوت صرخة الميلاد، وبأي أرض أفرع الغصن وطال؟ - ولدت في الرياض، وقضيت سنوات حياتي الأولى مع والدي في بيت جدي علي بن حمد المبارك - رحمه الله- في حي الخزان في الرياض. r ما الذي خرجتِ به من سنوات طفولتكِ التي قضيتها في مسقط الرأس؟ - لم يكن هناك أجهزة إلكترونية، وبرامج الأطفال في التلفزيون السعودي كانت محدودة جداً، فكان علينا أن نصنع يومنا من خلال علاقاتنا مع الآخرين. كان اللعب مع الإخوان وبنات الجيران هو الممارسة الجميلة في طفولتي، وهذا جعل في ذهني كم من الذكريات الجميلة، وأكسبني خبرات لا بأس بها. ذكريات r ما أبرز ما تحتفظين به من ذكريات داخل أسوار مدرستكِ؟، ومن زاملتِ خلال هذه الفترة؟ - درست سنواتي الأولى في الابتدائية السابعة بالحي نفسه، ثم انتقلت للمدرسة التاسعة والستون، المرحلة المتوسطة كانت بالمدرسة التاسعة عشرة بالمجمع نفسه، ومن ثم أكملت مرحلة الثانوية العامة في معهد المعلمات. تميزت في مادة التعبير، وكانت مادة غير محببة لزميلاتي، مما جعلني أسعد بمساعدتي لهن على كتابة نصوص مختلفة لموضوع واحد. كانت مدرستي ككل المدارس في ذلك الوقت، الأنشطة اللامنهجية لا تكاد تتجاوز الإذاعة المدرسية، التي كانت لي مشاركة شبه يومية فيها. وفي المرحلة الثانوية، طلبت مني معلمة الدين إعداد محاضرة لطالبات الصف، وكان لذلك الإنجاز أثر كبير في نفسي. صديقات الدراسة كثيرات، وممن لا يزال لي علاقه بهن، نعيمة بنت عبدالعزيز السديري، وابنة العم منيرة بنت عبدالعزيز المبارك، والدكتورة هدى السراء، والأستاذة الدكتورة منيرة الحريشي، ومجموعة من الأخوات الحبيبات. دور الوالدان r ما الدور الذي لعبه الوالدان في تشجيعكِ وتحفيزكِ في مشواركِ الدراسي؟ - عشت حياتي في كنف والدي - رحمه الله-، حمد بن علي المبارك، ووالدتي حصة بنت عبدالله الصالح، وإخوتي وأخواتي. كان والدي - رحمه الله-، صبوراً، مكافحاً، دقيقاً في عمله، منظماً في كل أموره، ويحترم الجميع. وكان أباً حنوناً لكل من حوله. والدتي حصة بنت عبدالله الصالح، تمتعت بالحكمة والفطنة وبعد النظر وحسن التصرف. كانت الأسرة داعماً قوياً للتعليم، ولا أعرف أننا كنا لا نعد واجباتنا، أو نتغيب عن المدرسة، إلا لسبب قاهر. وكان والدي على تواصل مستمر مع مدارسنا، ومتابعة دائمة لمستوانا التعليمي. وكانت الصلاة والدراسة من أولويات حياتنا. وكان لذلك أثر قوي علينا، فجميع إخوتي وأخواتي بحمد الله حققوا الكثير من النجاحات في حياتهم العلمية والعملية واستثمروا أنفسهم لمصلحة مجتمعهم ووطنهم. في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، توفي والدي - رحمه الله-، وأكملت والدتي المسيرة. كنت كثيراً ما أنشغل عن والدتي وأسرتي بدراستي، ولم أسمع في حياتي منهم كلمة مثبطة، بل كانت والدتي - حفظها الله-، تشجع وتدعم، وترى نجاحي نجاحاً لها، ولطالما ساعدتني في تحمل أولادي وأعباء أسرتي، كلما انشغلت ببحوثي، أو عملي، فجزاهما الله عنا خير الجزاء. الارتباط العائلي r متى جاءكِ نصيب الارتباط بشريك العمر.. وما عدد الأبناء؟ - التحقت بعد المرحلة الثانوية بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية للبنات بالرياض، وبعد أن أنهيت السنة الجامعية الثانية في عام ١٤٠٥ هجري تزوجت بالأستاذ الدكتور حمد بن إبراهيم الشتوي، وكان وقتها يدرس الماجستير بقسم السنة النبوية بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فكان لمسارنا الأكاديمي وتخصصنا المشترك ولدعمه المستمر لي أكبر الأثر في تجاوز الكثير من الصعوبات في رحلتي العلمية التي تخللها إنجاب ثلاثة أولاد وأربع بنات، كان ذلك يحتاج إلى جهد في التوفيق بين مهام الأمومة والأسرة والأهل ومتطلبات العمل، لكن بفضل الله ثم دعم من حولي، تجاوزت كثيراً من تلك الصعوبات. r متى وضعتِ قدمكِ الأولى على بداية خطوات الدراسة.. ومتى وضعتِ قدمكِ الأخرى على نهايته؟ - بعد أن تخرجت من كلية التربية، عينت معيدة في القسم نفسه، وتخصصت في السنة النبوية. كان موضوع أطروحة الماجستير (الدماء الطبيعية عند النساء في مسند الإمام أحمد) بإشراف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالغني بن مزهر التميمي. وأكملت الدكتوراه في الكلية نفسها بأطروحة بعنوان (زوائد رجال التاريخ الكبير) بإشراف فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور باسم الجوابرة. ثم انشغلت بإعداد بحوث الترقية، حيث حصلت على درجة أستاذ مشارك في عام ١٤٣١ه، والأستاذية في عام ١٤٣٥ه. r من أبرز من زاملكِ خلال هذه المرحلة؟ - قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأميرة نورة يضج بعدد كبير من الأخوات البارزات في خدمة المجتمع، منهن أختي الدكتورة الجوهرة، وأنا أعتبرهن جميعاً أخوات لي، لم تلدهن أمي، مع زميلاتي الكثيرات في التخصصات الأخرى، منهن الأستاذة الدكتورة نوال الفلاج بقسم اللغة العربية التي أسست معها النشاط اللامنهجي في الكلية، حين كنا في السنة الأولى من الجامعة. وأذكر أننا أعددنا برنامجاً نال إعجاب الجميع على رأسهن عميدة الكلية د. الجوهرة بنت فهد، ووكيلتها د. منيرة العلولا. المناصب التي شغلتها r ما المناصب التي شغلتها خلال مسيرة عملكِ؟، وما المهام الوظيفية التي تشغلينها الآن؟ - بحكم عملي الأكاديمي، طغى حبي للتدريس والبحث على الأعمال الإدارية بكثير، لكن كان لا بد أن أشارك في مسيرة الجامعة، خصوصاً بعد حصولي على درجة الأستاذية، فقد كلفت من معالي مديرة الجامعة بتأسيس وحدة التوعية الفكرية ومتابعة أنشطتها. ولما استأنفت الجامعة برامج الدراسات العليا، عملت مديرة لبرنامج الدراسات العليا للسنة النبوية، الذي كان في أوله شراكة مع الجامعة الإسلامية، ثم استقل ببرنامج خاص، وكان لي شرف رئاسة لجنة إعداده ومراجعته مع نخبة من الأخوات. خلال هذه الفترة، بادرت الجامعة بحث الأعضاء على تأسيس جمعيات علمية، فوافقت رغبتي رغبة صديقتي الأستاذة الدكتورة رقية نياز في أن نتقدم بمشروع جمعية علمية، ومن هذه النواة ولدت الجمعية العلمية السعودية للدراسات الإسلامية (الحسنى)، وتولت الأستاذة الدكتورة رقية نياز رئاستها، وعملت نائبة لها. وشرفت الجمعية بافتتاح صاحبة السمو الملكي الأميرة حصة بنت سلمان، وتزكية جمع من العلماء، وانبثقت منها مشاريع علمية منوعة، محلية وعالمية، وهي الآن من أهم مشاريع حياتي. r ماذا عن نشاطكِ العلمي والبحثي؟ - العمل الأكاديمي يربطنا بقوة بالبرامج العلمية والبحثية، فالترقيات تحتاج إلى بحوث، والإشراف على بحوث الطالبات لا ينقطع، وكذلك المشاركة في المؤتمرات والندوات. وأحاول في دراساتي البحثية إلى جانب التخصص الدقيق، أن أستثمر جانباً من بحوثي، بما يخدم المرأة، ويجيب عن استفساراتها. من بحوثي مثلاً التي أجريت عليها تطبيقات عملية من خلال السنة النبوية: متعة المطلقة، وهبة الأولاد، وتربية البنات، ودراسة لحديث هند بنت عتبة في النفقة، والرضاعة بين الزوجين. وأعمل حالياً على بحث الولاية في ضوء السنة النبوية. شاركت في الحوار الوطني الثالث ببحث بعنوان: (واقع الأنظمة واقتراح آليات تمكين المرأة من حقوقها الشرعية والمدنية)، وحرصت الغرفة التجارية بالرياض على ترجمته للغة الإنجليزية، لا لأنه الأجود، ولكن لأنه أجاب عن استفسارات كانت تشتكي بعض المؤسسات من عدم تأصيل الرؤية الشرعية فيها، لذا يجب أن لا تنحصر الدراسات البحثية في الجامعات على خدمة التخصص الدقيق فقط، وإنما يجب أن نعمل على دعم هذه الدراسات بتطبيقات تخدم احتياجات المجتمع، وتجيب عن استفساراته. جهوداً مكثفة r كيف لنا أن نؤصل سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام كمنهاج حياة في حياتنا اليومية؟ - السنة النبوية اليوم في عصورها الذهبية، فالخدمات البحثية والتطبيقات الإلكترونية جعلت الوصول للمعلومة أيسر بكثير مما كانت عليه. بالمقابل انتشار المناهج التي تنكر السنة كمصدر من مصادر التشريع وتطعن فيها جعل المسؤولية أكبر بكثير مما كانت عليه؛ للذب عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا يتطلب من المؤسسات التعليمية والتربوية جهوداً مكثفة؛ لربط الناشئة بالسنة النبوية، وذلك بدراسات حديثية تطبيقية على أرض الواقع، ما يبرز أهمية السنة النبوية في حياة المسلم، واستحداث برامج عصرية تربط الجيل بحب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، وتتبع أثآرهم والأنس بهم وتمني لقياهم. وأتذكر أننا ناقشنا مع بعض الزميلات آليات برامج توعوية تثقيفية في هذا المجال، فطلبنا لقاء مع الملك سلمان - حفظه الله- حين كان أميراً لمنطقة الرياض، وذلك ليتحفنا بتوجيهاته ويرشدنا لأولويات العمل، فاستضافنا في بيته العامر، وحدثنا عن حرص المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على تأصيل العلم الشرعي ونهج فكر معتدل، وأورد لنا نماذج من ذلك، وأكد لنا أهمية مثل هذه الجهود، وكان لقاء ثرياً، تلقينا فيه توجيهات كريمة مهمة، وانتهى بأن أثنى على جهودنا، وطلب منا الاستمرار في خدمة ديننا ووطننا. الخلل في الممارسات الفردية r هناك من يصف هذا الفكر المتشدد من المذهب الحنبلي.. بأنه يعود بنا إلى عصر بائد، لا يتماشى مع لغة العصر.. ما مدى صحة هذا الوصف برأيكِ؟ - المذهب الحنبلي أو غيره من المذاهب، هو ترجمة لهذا الدين الصالح لكل زمان ومكان. الخلل ليس في الدين، ولا في تتبع مذهب بعينه، الخلل في الممارسات الفردية التي تشوه الدين، وتنقل صورة غير صحيحة عنه، وإلا فديننا صالح لكل زمان ومكان. سهل سمح يسير واضح المعالم، لذا يجب أن يقدم للعالم بالسماحة واليسر الذي جاء به، وأن نسلك منهج الحكمة التي أمر الله رسوله بسلوكها في الدعوة، قال تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». والحكمة هنا كما عرفها ابن القيم رحمه الله، هي: قول ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي. وأظننا أحوج ما نكون لفهم آيات القرآن الكريم ومقاصد الشريعة والمنهج النبوي الصحيح حتى نسلك المسلك الوسطي السمح اليسير البعيد عن التنفير والمتجرد من لوي النصوص؛ لتخدم الشهوات، أو لتتواكب مع الشبهات.

مشاركة :