تحتضن إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة عددًا كبيرًا من المبادرات الثقافية العربية الكبرى؛ فعلى امتداد أكثر من أربعة عقود من الاشتغالات الجادة المكثفة والرصينة رسَّخت هذه الإمارة الثقافية مكانتها عربيًا وعالميًا، وفي مجالات ثقافية متنوعة تأتي في مقدمتها الرواية والقصة القصيرة والمسرح ومعارض الكتب الضخمة وصناعة الكتاب الإماراتي وترويجه دوليا. وتستمد هذه الإمارة المشرقة ثقافيًا تألقها من دعم حقيقي لحاكمها المثقف والأكاديمي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي له شخصيا عشرات الكتب الأكاديمية والثقافية والإبداعية في التاريخ والمسرح والرواية والسيرة الذاتية. وهو حاكم مسكون بشغف الثقافة والتاريخ والبحث الجاد والدؤوب في عشرات من الوثائق والمصادر والمخطوطات التي لم يُكشف عنها النقاب من قبل. ومن المبادرات الثقافية العربية التأسيسية مبادرة سموه قبل سنتين بجعل ملتقى الشارقة للسرد ملتقى عربيا ينعقد في إحدى العواصم العربية. فعلى امتداد سنوات عدة كان هذا الملتقى ينعقد في إمارة الشارقة، ولكنه منذ سنتين وبتوجيهات الشيخ القاسمي خرج أولاً إلى الأقصر بجمهورية مصر العربية ثم انعقد هذا العام في الرباط بالمملكة المغربية والعام القادم سينعقد في عاصمة عربية جديدة. إنَّ ملتقى الشارقة للسرد هو واحد من أبرز الملتقيات النقدية السردية العربية، وتصدر أهميته بوصفه ملتقى تأسيسيا لشراكات نقدية عربية ودولية على امتداد سنوات عدة. وقد استقطب هذا الملتقى منذ سنوات تأسيسه الأولى نخبة من أبرز المثقفين العرب من النقاد والروائيين إلى جانب النقاد المستعربين والمستشرقين. انعقد ملتقى الشارقة الخامس عشر للسرد هذه السنة بالرباط بالمملكة المغربية خلال الفترة من 17-19 سبتمبر 2018 وكان عنوانه(تحولات الرواية الجديدة)، وبمشاركة حوالي ستين مشاركًا من الروائيين والقصاص والنقاد إلى جانب نقاد مستعربين هم إيزابيلا كاميرا من إيطاليا، وباربارا ميخالاك من بولندا وديمتري ميكوليسكي من روسيا وباراكا ساكين من النمسا ومحمود العزاني من بريطانيا. وقد كان لي شرف تمثيل مملكة البحرين في هذا الملتقى النقدي المهم إلى جانب زميلي الناقد الدكتور فهد حسين الذي شارك في حلقة نقاشية عن الرواية الجديدة إلى جانب الناقد السعودي الدكتور معجب العدواني والناقد المغربي الدكتور رشيد الإدريسي وأثار المتحدثون الثلاثة نقاشًا مهمًا جدًا عن إشكالية مصطلح «الرواية الجديدة. ولاشك أنَّ سؤال هذا الملتقى على درجة عالية من الأهمية، وربما ستنتج عنه بعض الاشتغالات البحثية المهمة التي ستثيرها أسئلته. طوال أيام الملتقى الثلاثة كانت قاعات المحاضرات ممتلئة بحضور رصين، بعضهم تجشَّم عناء الوصول من مدن مغربية بعيدة إلى جانب مشاركة لافتة جدًا للمثقفين العرب والمستعربين». وقد تمخَّضت هذه الجلسات المكثفة عن عدد من التوصيات المهمة لملتقيات قادمة إن شاء الله. الشكر العميق لإمارة الشارقة ولصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على مبادرته الثقافية التأسيسية لحقل مهم هو الرواية، والشكر العميق لسعادة الأستاذ عبدالله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة بإمارة الشارقة على جهوده الكبيرة الواضحة في إنجاح هذا الملتقى، وعلى حرصه الشديد على المتابعة الدقيقة لمجريات الملتقى. والشكر العميق للأستاذ عبدالفتّاح صبري لجهوده الرائعة في التنظيم. والذي أسعدني هو وجود طاقات شبابية إماراتية تعمل بإتقان، الأستاذة نورة السركال والأستاذة عائشة الهاشمي وفريق عملهم الشبابي الذين هم بالفعل صورة مشرفة للشباب الإماراتي المحب لوطنه والمعطاء. أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين.
مشاركة :