رأى مركز الشال للاستشارات الاقتصادية، أنه مع عودة ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، بدأت مؤشرات بداية انفلات السياسة المالية إلى أن الكويت ستفقد فرصة الإصلاح الرابعة وربما الأخيرة، لافتاً إلى أن كل المؤشرات لا تبدو مريحة، مع العودة إلى استنساخ الخطايا المالية القديمة نفسها.وأوضح مركز الشال للاستشارات الاقتصادية، أنه وفقاً لآخر تقرير لوحدة المعلومات لمجلة «الإيكونومست» لشهر أكتوبر الجاري، فقد حققت الكويت نمواً حقيقياً سالباً ومرتفعاً بحدود 3.5 في المئة عام 2017، ولكنها ستحقق نمواً حقيقياً موجباً بين ضعيف ومعتدل للسنوات الخمس من 2018 إلى 2022. وذكر «الشال» في تقريره الاقتصادي الأسبوعي، أن معدلات النمو المتوقعة تتراوح ما بين أدناها لعام 2018 وبحدود 1.5 في المئة، وأعلاها لعام 2019 وبحدود 3.6 في المئة، معتبراً أن النموذج الرياضي المعتمد للتقرير يعتمد بدرجة كبيرة على افتراض سعر مرتفع للنفط، ما يجعله قابلاً للتغيير الجوهري وفقاً لحركة أسعار النفط الفعلي، ومنوهاً بأنه لذلك تختلف تقديرات «الإيكونومست» عن تقديرات مؤسسات أخرى مثل «صندوق النقد الدولي».وأفاد التقرير أن مؤشرات الاقتصاد الكلي الأخرى تبدو مستقرة أيضاً، فالتضخم المتوقع يبلغ أدنى مستوياته للعام الحالي وبحدود 0.9 في المئة، وأقصاه لعام 2021 وبحدود 3.8 في المئة، أي أنه يظل للسنوات الخمس ضمن النطاق المقبول. وذكر أنه بينما حقق عجز الموازنة مستوى مرتفعاً في عام 2017 وبحدود 8.6 في المئة، من حجم الناتج المحلي الإجمالي، تتوقع له «الإيكونومست» أن يتراوح ما بين فائض طفيف لسنتين وعجز طفيف لثلاث سنوات. وتقدر المجلة أن تحقق الموازنة عام 2018 فائضاً بحدود 1.2 في المئة، من حجم الناتج المحلي الإجمالي، لينخفـض إلى 0.1 في المئة فقط لعام 2019، ثم عجز بحدود 1.8 و0.8 و0.6 في المئة، للسنوات الثلاث التالية 2020 و2021 و2022 على التوالي. وتتوقع للحساب الجاري، أن يبقى في فائض للسنوات الخمس المقبلة، ليس بمستويات الفوائض التاريخية، ولكنه يبلغ في أعلاه 14.4 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، وأدناه 10.4 في المئة عام 2020، وتقدر معدل البطالة ثابتاً للسنوات الخمس وبحدود 3 في المئة.ورأى التقرير أن المقصود هنا معدل البطالة السافرة، بينما بات الكل يعرف بأن استمرار معدلات البطالة المقنعة والعالية جداً في القطاع العام، يشكل أمراً غير مستدام. وتابع أنه وفقاً للـ«إيكونومست»، قد لا تصدق تلك التوقعات إن تعرضت الكويت لواحد أو أكثر من 5 مخاطر، وهي استمرار البيروقراطية العقيمة التي تمنع تحقيق أي سياسة جادة، وتعتقد أن احتمال تحققه مرتفع، وأثره السلبي كبير جداً. ولفت إلى ان المخاطر الأخرى تشمل انفراط اتفاق تحديد إنتاج النفط من قبل «أوبك» وربما هبوط مستوى الأسعار إلى30 أو 40 دولاراً للبرميل، واحتماله معتدل، ومخاطره عالية جداً، فضلاً عن انفلات السياسة المالية مرة أخرى بتشجيع من الارتفاع الحالي لأسعار النفط، واحتمالاته مرتفعة، وآثاره على توقعات الأداء معتدلة.ونوه بأن الخطر الرابع هو انقطاع التيار الكهربائي في الصيف بما يعرقل الأعمال، واحتمالاته مرتفعة، وتأثيره السلبي على التوقعات معتدل، إضافة إلى استمرار ارتفاع تكاليف توظيف العمالة الوافدة، وهو أمر حتمي مع التوسع الإسكاني الأفقي، وتقدر «الإيكونومست» بأن احتمالاته مرتفعة وآثاره السلبية معتدلة. وشدد التقرير على أن ذلك ما حاول دائماً التنبيه له، وهو أن المخاطر دائماً عالية، وإنها ترتفع وبشدة، وفي الحالتين، مع زيادة أو انخفاض أسعار النفط، ومعها يظل دائماً استقرار البلد السياسي والاجتماعي والاقتصادي على المحك. ورأى أن المبدأ الغائب دائماً عن ذهن الإدارة العامة، هو تبني سياسات اقتصادية، تضمن استدامة المالية العامة واستدامة خلق الوظائف، وزمن تحقيق تلك الأهداف بتكاليف محتملة، هو زمن غياب ضغوط انخفاض أسعار النفط، معتبراً أنه بسبب الارتفاع الحالي في أسعاره، تشير مؤشرات بداية انفلات السياسة المالية إلى أن الكويت ستفقد فرصة الإصلاح الرابعة وربما الأخيرة.النفط والإصلاحأشار «الشال» إلى أن سعر برميل النفط الكويتي لمعظم شهر أكتوبر الجاري حتى 24 منه، بلغ نحو 80 دولاراً للبرميل، وبلغ معدله لكل ما مضى من السنة المالية الحالية (أبريل 2017- مارس 2018) نحو 73 دولاراً، مقابل 54.5 دولار لكامل السنة المالية السابقة لها.وأفاد أن معظم أسباب الارتفاع الحالي لأسعار النفط هي ضغوط على جانب المعروض من النفط، وانخفاض الإنتاج أو اضطراب استقراره في ليبيا وفنزويلا، وانخفاض الإنتاج الكندي، وأهمها على الإطلاق، عقوبات أميركا على إيران التي أدت إلى انخفاض صادراتها بما يراوح ما بين 700 ألف برميل ومليون برميل يومياً. ورأى التقرير أن تعويض الفاقد ليس عملية سهلة، حتى مع وجود فائض في الطاقة الإنتاجية، فلدى السعودية على سبيل المثال فائض بنحو 1.3 مليون برميل وفقاً لولي العهد السعودي في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ»، من دون احتساب إنتاج المنطقة المقسومة مع الكويت المقدر بنحو 500 ألف برميل يومياً. وبيّن أن زيادة الإنتاج لا تحدث سوى تدريجياً، وبعد احتساب أثرها على توازن السوق، وبالاتفاق مع منتجين آخرين حتى لا تتسبب في حرب إنتاج حاولت دول ضمن «أوبك» وخارجها اجتنابها، بعد ألم كبير تحقق بسببها ما بين عامي 2015 و2016، وبتكاليف محسوبة مالية ومن حيث الأثر على المكامن.وأكد التقرير أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط نعمة، فهو أوقف استنزاف احتياطيات دول النفط المالية، وساهم بدرجة كبيرة في صيانة الاستقرار السياسي لبعضها. وتابع أن الكويت وقطر على سبيل المثال، قد تحققان أول فائض في موازنتيهما للسنة المالية الحالية بعد عجوزات كبيرة لثلاث سنوات متصلة، في حين أن السعودية خفضت العجز المقدر في موازنتها المقبلة بنحو 34 في المئة رغم الارتفاع الكبير في نفقاتها.ونوه بتعديل «صندوق النقد الدولي» توقعاته بزيادة معدلات النمو الاقتصادي في تقرير أكتوبر، لخمس من دول مجلس التعاون الست، إذ تحسنت أوضاع حساباتها الجارية إما بزيادة فوائضها أو بانخفاض عجوزاتها.وشدد على أن الظروف التي تسببت في الارتفاع الكبير في أسعار النفط غير مستدامة، كما أن التحديات التقنية والبيئية التي تواجه استخدامات النفط في قطاع المواصلات البرية أصبحت واقعاً يتزايد، واسترجاع أوضاع السنوات الثلاث السابقة الأليمة تعد واقعاً كبير الاحتمال. وشدد على أنه يفترض أن يتم التعامل مع الارتفاع الحالي لأسعار النفط على أنه نعمة موقتة، فنمو الاقتصاد العالمي يتباطأ، والتوقعات بحدوث أزمة مماثلة لأزمة 2008، أي فقاعة أصول كبرى، باتت تتردد ضمن توقعات مختصين كبار.وذكر أن متطلبات سوق العمل المواطنة باتت ضخمة جداً، وأنه لا بد من استثمار زمن تلك النعمة الموقتة في تبني سياسات إصلاح غير مسبوقة، ما دامت الأوضاع المالية تسمح بذلك بأقل التكاليف، فالوطن باقٍ والإدارات موقتة، ولا بدّ وأن تعمل تلك الإدارات على ضمان ديمومة الوطن.وشدد على أن الواقع يشير إلى أن كل المؤشرات لا تبدو مريحة، مع العودة إلى استنساخ الخطايا المالية القديمة نفسها.
مشاركة :