ما هو المطلوب من «أوروبا العرب» الجديدة

  • 10/29/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

خرج مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» الذي عقد في مدينة الرياض ناجحاً بكل المقاييس ومبهراً لكل من تابعه، سواءً حضوريا أم من خلال نشرات الأخبار أم في مواقع التواصل، على رغم ما روَّج له الحمقى والمغفلون والمغرضون الذين ظلّوا قبل انعقاده بأيام يتحدثون عن إلغائه وفشله، وزعموا غياب واعتذار رؤساء شركات وشخصيات اقتصادية، بل ذهبوا إلى أن المؤتمر قد يتعذر انعقاده هذا العام، وتغنى وفرح ورقص على هذه الأخبار بشكل لافت كل حاقد وحاسد لتطور السعودية وتقدمها، إلا أن المؤتمر سجل حضوراً متميزاً وباهراً، مقدما صفعة قوية لمن تربص بالمؤتمر وتوقع فشله، إذ فاق الحضور العدد المطلوب والمتوقع من 3800 شخص إلى أكثر من 4500 شخص، ووصل حجم الصفقات نحو 50 بليون دولار، أما أبرز الشخصيات والحضور؛ فكانت الإمارات العربية المتحدة صاحبة أكبر وفد مشارك بعدد 150 شخصية بينهم وزراء ورجال أعمال يتقدمهم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد، فيما شكل حضور عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني دعما قوياً، كما أن حضور رئيس جمهورية السنغال ماكي سال، ورئيسي وزراء باكستان ولبنان وولي عهد البحرين وشخصيات اقتصادية عالمية أعطى المؤتمر حضوره ومكانته العالمية. أما الشركات التي انساقت للشائعات وانجرفت خلف الأخبار المضللة، فوجدت نفسها خسرت هذا الحدث الأهم ولم تحضر، ونحن نحترم رغبات هذه الشركات، إلا أن رد الفعل يأتي من تلقاء نفسه، اثنتان من الشركات التي اعتذرت عن المشاركة في مبادرة مستقبل الاستثمار (أوبر وهايبر لوب) تعرضتا لانتقادات من المساهمين وهوت أسهمهما، الأمر الذي أدى إلى تقديم رئيسيهما التنفيذيين استقالتهما، فيما أن بعض المدراء التنفيذيين أو الشخصيات الاقتصادية الذين اعتذروا بداية الأمر عادوا وأرسلوا مساعديهم. إن حدث أن اعتذر أحد -وهم قلة- فإنهم لم يؤثروا على فعاليات المؤتمر الذي استمر 3 أيام وكان ختامه مسكا، حينما تحدث فيه ولي العهد السعودي في جلسة ضمت ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد، ورئيس وزراء لبنان سعد الحريري، كما أظهر المشاركون في هذه الجلسة صورة متفائلة لحال الاستثمار والتنمية في العالم العربي، فيما كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كالعادة الورقة الرابحة في المؤتمر بتصريحاته التي أطلقها، ولعل أشهرها تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا، وهذا يعني أن البلدان العربية ستتحول إلى ورشة تنموية كبيرة. كلمات الأمير محمد بن سلمان تلامس بشكل إيجابي قلوب الشباب العربي وتحوله إلى طاقة إيجابية نحو التنمية، وتحفّزه للمزيد من الانتاج والإبداع، ولعل هنا من الضروري الإشارة إلى أهمية أن يتفاعل القطاع الخاص مع هذه التصريحات، وأيضا أن يتفاعل السياسيون بحيث تخفف آثار الحروب في المنطقة. للأسف الشديد، فإن شباب البلدان العربية محروم منذ سنوات من التنمية، إذ دمرته الحروب والثورات واستغله تجار السلاح في نشر ثقافة الكراهية، حتى بدت التنمية في البلدان العربية في مستويات متدنية. هذه سورية والعراق وليبيا ودول أخرى تعاني من الحروب والفرقة، واليوم اليمن يكاد يكون من أكثر البلدان التي تعاني من الفقر والجوع وغياب الأمن وتدني الخدمات الصحية بعد أن تحكم الحوثي في مفاصل مؤسسات الدولة. أمام السياسيين مهمة صعبة لتحويل كلمة الأمير محمد بن سلمان إلى واقع ملموس، وأمام السعوديين فرصة كبيرة للنهوض ببلادهم والتقدم بها إلى مصاف الدول المتقدمة، وجملة الاصلاحات التي تنفذها، فيما لو سارت وفق برنامجها، فإن التنمية في السعودية ستكون علما يدرّس في بلدان نامية. مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» تحول في ثاني سنة له إلى أيقونة المستثمرين ورجال الأعمال، أو كما قال صديقي: «إنها فرصة لاكتشاف الفرص والحصول على المزيد من الصفقات»، إذ يتواجد في المؤتمر 25 في المئة من حجم الاستثمارات العالمية في الرياض، وهذا يعني أن السنوات المقبلة ستشهد حضور المزيد من الشركات والشخصيات، وربما نأمل في أن نرى تنوعا مختلفا للمستثمرين من أقطار العالم كافة، وأن يتحول إلى ملتقى عالمي. شهد «المؤتمر» توقيع 25 اتفاقا، ولعل اللافت فيها قطاع النقل الذي شهد توقيع ثلاث اتفاقات بقيمة اجمالية بلغت أكثر من 14 بليون دولار، شملت مذكرة تفاهم تنفيذ مشروع الجسر البري بقيمة استثمارات تتجاوز 10 بليونات دولار، واتفاق المرحلة الثانية من مشروع قطار الحرمين بـ 3.6 بليون دولار، أما الاتفاق الثالث فهو بخصوص تصنيع عربات قطارات الشحن في المملكة باستثمار 267 مليون دولار. طموح السعوديين عالٍ وليس له حدود، يقول رئيس صندوق الاستثمارات العامة: «إن 90 في المئة من أصول صندوق الاستثمارات العامة محلية، وتطمح السعودية لأن تكون 50 في المئة من أصول الصندوق دولية حتى عام 2030، وهذا يعني أن أمام المسؤولين العديد من العمل الدؤوب لتذليل العقبات وتسهيل المهام أمام المستثمر الاجنبي، بحيث يُقبل على الاستثمار بيسر وسهولة ومن دون وخوف، فالتحدي صعب والدول المجاورة كل منها تريد أن تحصل على نصيب من الكعكة، وصاحب الحظ الأوفر هو من يستطيع أن يتحصل على قطعة أكبر. * صحافي وكاتب اقتصادي. @jbanoon

مشاركة :