من باب التفاؤل الذي فتحته لنا وطالبتنا به، نقول إن الكويت بخير يا صاحب السمو الأمير ما دامت رؤيتكم بخير ومسيرتكم بخير. ونحمد الله الذي أنعم علينا بقيادة حكيمة وسياسة رشيدة وقامة كبيرة.أمس، لم يكن نطقاً سامياً ما افتتحتم به دور الانعقاد فحسب، بل كان خريطة طريق للحاضر والمستقبل مع الاستفادة من عِبَر الماضي (سجلات المجلس التأسيسي) وتجارب الآخرين وظروف الإقليم الملتهبة حيث المنطقة برمتها على كف... عفريت.فصل الكلام ما نطقتم به يا صاحب السمو داخلياً وخارجياً. وضوح ما بعده وضوح، تلمّس لمكامن الألم ووصف الدواء كي لا تتفاقم المشاكل. وأي وصفة أهم من التمسك بالديموقراطية والمناخ الحرّ والحفاظ على الأمن والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية وسيادة القانون؟ وأيّ خوف أهم من التجاوز على قيم النظام الديموقراطي أو التعدي على حدوده أو التعسف في ممارسته «لكي لا يصبح معول هدم وتخريب وأداة لهدر مقدرات هذا البلد وتقويض مقوماته». فصل الكلام كلامكم يا صاحب السمو، وإن كنتم قلتم في نطقكم السامي: «ليس كل ما يعرف يقال»، فإن علينا كقادة رأي وحراس السلطة الرابعة أن نقول أيضاً كل ما يعرف عنكم وعن قلبكم الكبير الخائف على التجربة، وعن عزمكم الدائم على إيصال سفينة الخير إلى موانئها وسط هذا البحر الإقليمي الهائج المائج بالصراعات... وما كتبتموه يا صاحب السمو على جبين الكويت تراه العين ولا يمكن لعين ألا تراه.كنتم الأكثر وضوحاً يا صاحب السمو في القول إن التجربة الديموقراطية التي يفترض أن تكون قد بلغت أو قاربت مرحلة النضج والرشاد تعيش عثرات كبيرة نتيجة «ممارسات سلبية ومواقف وطروحات ومشاريع عبثية لا تخدم في حقيقتها مصلحة الوطن بل تسعى إلى التكسب الانتخابي». وكنتم الأكثر صدقاً في كشفكم لمن يعمل وفق «مصالح شخصية أو أجندات خاصة على حساب مصلحة الكويت العليا تارة بالعزف على أوتار الطائفية البغيضة وتارة بطرح مشاريع برّاقة المظهر تدغدغ عواطف البسطاء ولكنها في حقيقتها تلحق ضرراً بليغاً بالدولة والمجتمع حاضراً ومستقبلاً». وكنتم الأكثر صراحة في الحديث عن المتمادين بمخالفة الدستور والقانون «ترويجاً لمكاسب شخصية وبطولات وهمية حتى وإن أدى ذلك إلى إرباك الأمور في البلاد وتعطيل مصالح المواطنين وعرقلة عمل الدوائر والمؤسسات». وكنتم الأكثر واقعية في السؤال: لماذا كلّ هذا السباق المحموم على تقديم الاستجوابات؟ ولماذا الإصرار على تقديم الاستجوابات لرئيس مجلس الوزراء في أمور تدخل في اختصاص وزراء آخرين؟ وكنتم الأكثر وضوحاً في التحذير: «بحكم موقع المسؤولية والأمانة التي أحملها في عنقي أقول بكل صراحة وجدية: لن أسمح بأن نحيل نِعمة الديموقراطية التي نتفيأ بظلالها إلى نَقمة تهدّد الاستقرار في بلدنا وتهدم البناء وتعيق الإنجاز». وكنتم الأكثر نصحاً في دعوتكم الجميع إلى العمل الجاد لوقف تردّي الممارسة البرلمانية وتصويب مسيرتها والمحافظة على النظام الديموقراطي وصيانته من كل تجاوز على قيمه أو تعدّ على حدوده أو تعسف في ممارسته. وكنتم الأكثر تأكيداً على أن الكويت لن يكون فيها أبداً ما يعرف بسجين سياسي أو معتقل ولم يصدر حكم قضائي واحد بالإدانة دون محاكمة عادلة توافرت فيها جميع الضمانات لحق الدفاع.وكنتم أكثر من وضع الإصبع على الجرح في مقاربة ما يحصل في وسائل التواصل الاجتماعي «التي تعجّ بالحسابات الوهمية المغرضة» والتي تحوّلت «أداة للفتن والابتزاز والهدم والاسترزاق المدمّر»، مطالباً بإصدار التشريع اللازم لضمان انضباط استخدامها ومنع أشباح الفتن والتخريب من المساس بكرامة الناس وسمعتهم.وفي الموضوع الإقليمي كنتم يا صاحب السمو الأكثر ألماً وحسرة وقلقاً على الواقع المرير الذي تمرّ به المنطقة معتبراً المرحلة الراهنة «الأخطر على حاضرنا ومستقبلنا جميعاً بعد أن تحوّلت هذه المنطقة إلى ساحة للقتل والدمار ومسرحاً للصراعات والعصبيات وتصفية الحسابات تعبث بها الأهواء والمصالح».ويا والد الجميع، طلبتم من الجميع استيعاب رسالتك وسط سعير النيران المشتعلة في المنطقة. ولا شك في أنها وصلت بكل تأكيد للمخلصين المؤمنين بكل حرف ورد في نطقكم السامي. ولا شك في أن إشادتكم برئيسي مجلسي الأمة والوزراء ستثقل كاهليهما نحو مزيد من العطاء لأنها بمثابة تكليف لا تشريف، والجميع ينتظر منهما ومن أعضاء المجلسين إنجازات حقيقية واقعية لاستكمال مسارات التنمية وحراسة المال العام وضرب الفساد ووقف انتهاكات القانون.عودة إلى باب الأمل. بوركت رؤيتكم يا قائد السفينة وأنتم مؤمنون بشعب لم يخذل وطنه في أصعب الظروف وبورك إيمانكم بأن من توجهت إليهم بالخطاب سيظلون أبناء أوفياء بررة لأمهم الكويت، «فهي أمكم الرؤوم حافظوا عليها وعضّوا عليها بالنواجذ فلن تجدوا لها مثيلاً». ولن يتنكّر لأمه يا صاحب السمو إلا... العاقّ. «الراي»
مشاركة :