ما ان تجدد التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران على خلفية تنفيذ أحكام الإعدام ضد مجموعات أدينت بالإرهاب، حتى انتعشت مجموعة «صب الزيت على النار» في الكويت وبدأت النفخ في الكير لتصوير أنها أقرب إلى المملكة والوحدة الخليجية من موقف الحكم في الكويت... وانطلقت المزايدات بلا سقف أو فهم أو تقدير أو مسؤولية، ولم يكن ينقصها سوى إعلان النفير العام أو التعبئة المسلحة أو الدعوة إلى القيام بعمل عسكري إقليمي.وسبحان الله، من يرصد مواقف هؤلاء المتحمّسين يجد وكأنهم كانوا ينتظرون حدثاً ما لإعادة إنتاج مواقفهم التحريضية المذهبية الانقسامية أو لتصفية حسابات مع السلطة بسيف التوتر الإقليمي، متجاهلين أن السياسة الخارجية الكويتية أسّس مدرستها منذ أكثر من نصف قرن سمو الشيخ صباح الأحمد الأمير الحالي للبلاد، وأن هذه المدرسة لو ترك أمر تسليم مقاديرها لبعض هؤلاء المزايدين اليوم لكنا – من دون مبالغة - رأينا الكويت تتلاشى رويداً في الأعاصير المحيطة أو في أفضل الأحوال رأينا «كويت» أخرى لا علاقة لها بالأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.وكي لا يبدأ المزايدون بالتمتمة، نقول إن غالبية الكويتيين وعلى رأسهم أركان الحكم هم في طليعة من أعلنوا التضامن مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في وجه الاعتداءات التي تعرضت لها بعثاتها في إيران أو في وجه المواقف التهديدية التصعيدية التي انطلقت من طهران. لكن الفارق كبير بين أن تكون لاعباً في التسوية أو بيدقاً في الأزمة. وهؤلاء الذين لم يعرفوا سوى الارتجال بالمواقف ولم يتقنوا الاحتراف يوماً واحداً، صعب أن يدركوا أن الخطوات التي تقوم بها الكويت سواء في الانتصار لحق المملكة ورفض الانتهاكات الإيرانية إنما تتم بتنسيق كامل مع السلطات في الرياض، بل يمكن القول من خلال غرفة عمليات ديبلوماسية مشتركة. عندما تتحرك الكويت لرأب الصدع وإعادة الحق إلى نصابه فإنها لا تفعل ذلك من باب التفرد بل من باب التنسيق، والأمر نفسه ينسحب على التحرك الذي قام به رئيس مجلس الأمة لدى الجامعة العربية والاتحادات البرلمانية العربية والدولية من أجل حشد أكبر دعم سياسي للرياض في الأزمة الراهنة.هامش الحياد الإيجابي الذي تتمتع به الكويت مصدر قوة وليس مصدر ضعف، لأنه هامش متصل وليس منفصلاً عن واقع المنطقة وتاريخها ومصالحها. الكويت ليست جزيرة منعزلة في محيطها بل دولة في قلب محيطها تلعب دوراً عازلاً للأزمات وقادراً على رد الصدمات بفعل العلاقات الندية التي تملكها مع مختلف دول العالم بما فيها دول الجوار، وبحكم انتمائها وتاريخها التضامني الذي لا غبار عليه مع أقرانها في الخليج الذين يريدون لها أن تبقى رأس حربة في نزع فتيل النزاعات وصواعق التفجيرات... لا أن تكون قاعدة للشعارات والهتافات والحماسة والمواقف التصعيدية التي تضر ولا تنفع.ثم، لا بأس من الوقوف عند الذين صدحت حناجرهم بالمزايدات...بعضهم قال إن الكويت يجب ألا تلعب دوراً في التهدئة وإلا فإنها ليست مع المملكة، وهؤلاء أنفسهم كانوا رأس حربة مشروع التغيير في الخليج باتجاه تعديل الأنظمة أو تبديلها.بعضهم رأى أن الوقت حان لإعادة تسعير الخطاب الطائفي والمذهبي ما يسمح له بالعودة مجدداً إلى الواجهة من باب الانقسامات.بعضهم وجد في الأزمة فرصة لمدح السعودية والهجوم على الكويت وعلى مستوى الحريات فيها وعلى ما اعتبره «قمعاً» وتمييزاً. وعندما سئل عن دول الخليج الأخرى ارتبك و«تبهذل».بعضهم وجدها فرصة سانحة لإعادة تلميع صورته لدى المملكة بعدما وضعت تنظيمه الأم على لائحة الإرهاب، متناسياً أن تهميش دور السعودية كان هدفاً مشتركاً بين «مصر- مرسي» وإيران خلال حكم «الإخوان المسلمين».وبعضهم أكمل تعاطيه «السطحي» مع الأزمات الكبرى فمدح المملكة وانقضّ على مجلس الأمة بحجة تصفية الحساب معه، رافضاً أن يكون لممثلي الشعب رأي تحت القبة في موضوع مصيري يتعلق بوجود المنطقة لا بحدودها فحسب. وهؤلاء أنفسهم كانوا رأس المزايدين سابقاً في ضرورة أن تعاد كل الأمور إلى قاعة عبد الله السالم لبحثها.ولهؤلاء المزايدين جميعاً نختم بالرد الذي أتاهم من ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان الذي أكد أن اندلاع حرب بين السعودية وإيران سيكون بداية لكارثة كبيرة بالمنطقة وأن السعودية لن تسمح بحدوث أي شيء كهذا «وهذا شيء لا نتوقّعه على الإطلاق وأياً كان من يدفع في هذا الاتجاه فهو شخص لا يتمتع برجاحة العقل»... إذاً، من يدفع إلى التصعيد وإدخال المنطقة في كوارث هو شخص لا يتمتع برجاحة عقل، هل يفهم من يجب أن يفهم؟وللنافخين في الكير نقول، لا تريدون أن تتعلموا من مدرسة صباح الأحمد فأنتم أحرار، إنما لا بأس من قراءة التاريخ بعينين واسعتين: واحدة للاتعاظ وأخرى... للحذر من أعاصير الإقليم.«الراي»
مشاركة :