كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر اقتصادية رفيعة المستوى، أمس، عن وجود تحرك لتطويق وجود «شبهة مخالفات في إدارات حوكمة بعض الشركات العاملة في السوق السعودية»، وذلك بعد كشف خلل في إدارات المخاطر والمراجعة الداخلية في هذه الشركات. وجاءت شبهة المخالفات في إدارات الحوكمة في بعض الشركات التي كشفتها سلطات اقتصادية عليا في البلاد، بعد تعمد بعض هذه الشركات إنشاء أقسام غير فعالة لإدارة المخاطر، وهو ما يؤدي إلى إحداث خلل في عمل إدارات المراجعات الداخلية، الأمر الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى خلل إدارات الحوكمة في هذا النوع من الشركات. والمعروف أن الحوكمة مفيدة للشركات بشكل عام، خاصة ذات الأعمال الضخمة والكبيرة التي تتطلب عدم مركزية القرار، وهذا ما تدعو له هيئة السوق المالية، بل تجبر الشركات المساهمة على تطبيقه ووضع الأطر لهذا العمل، ومتابعة تنفيذه من خلال 3 إدارات رقابية؛ هي إدارة المخاطر، وإدارة المراجعة الداخلية، وإدارة حوكمة الشركات. وتستهدف الحوكمة ضمان حفظ أموال المساهمين، وتوزيع مسؤوليات الرقابة بين هذه الإدارات كل فيما يخصه، وهذا ما تدعو إليه هيئة مكافحة الفساد التي تؤكد أهمية التركيز على هذه الإدارات. وفي هذا الخصوص، أكدت مصادر «الشرق الأوسط» أن بعض الشركات تُنشئ إدارة المخاطر تنفيذا لمتطلبات هيئة السوق المالية: «لكن معظم هذه الإدارات ما هي إلا صورية لمتطلبات الهيئة»، وهو ما ينفي عنها الفاعلية والفائدة في نهاية الأمر. وبيّنت أن إدارة المخاطر يقع على عاتقها تحديد المخاطر المحدقة بالشركة ووضعها في إطار عمل يناقش الجزء الأكبر منها مع إدارة المراجعة الداخلية، التي بدورها تضع خطة عملها على أساس هذه المخاطر بالإضافة إلى رؤيتها حول المخاطر الأخرى. وأوضحت المصادر أنه مع وجود إدارة مخاطر متهالكة وضعيفة «يصبح عمل إدارة المراجعة الداخلية من دون رؤية واضحة، ما يؤدي إلى اعتماد هذه الإدارة خططا وبرامج غير مناسبة». وبحسب المصادر، تنبهت السلطات الاقتصادية العليا إلى هذا الخلل نتيجة ظهور فضائح بعض الشركات التي يواجه بعضها شبح الإفلاس، فيما أعلن البعض الآخر عن نتائج مالية غير دقيقة، فضلا عن تغطية بعض هفوات مجالس الإدارات التي لا يمكن للعامة اكتشافها. وركزت على أن التطبيق الناجح لبرامج حوكمة الشركات يعتمد على مجمل البيئة المؤسسية، وليس فقط على الممارسات الداخلية، ما يعني أن الحوكمة تعتمد أيضا على وجود عمل خارجي رئيسي، يتمثل في المناخ التنظيمي الذي يضم مختلف المعايير المتعلقة بالمحاسبة والتدقيق، إضافة إلى اللوائح والقوانين التي تخضع لها الشركات. وذهبت المصادر إلى أن قطاع الشركات المملوكة للدولة يمكن أن يقدم مثالا آخر للفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال تحسين الحوكمة، على اعتبار أنه من خلال تبني قواعد الحوكمة الرشيدة للشركات يتسنى لتلك الفئة من الشركات جعل الدولة مالكا أكثر فاعلية ومسؤولية، بجانب تحسين جودة مجلس الإدارة، وربط حوافز الإدارة بأداء الشركة، وتأسيس نهج واضح للمساءلة التي تعود في النهاية بالنفع العام. وتأتي الخطوة المرتقبة لإصلاح الخلل في برامج حوكمة بعض الشركات العاملة في السوق السعودية، نتيجة وجود سببين رئيسيين؛ الأول يتمثل في البحث عن فوائد إضافية للشركات الناجحة، والثاني ناتج عن وجود أزمات حقيقية في عدد محدود من الشركات. يشار إلى أن حوكمة الشركات يؤدي إلى فوائد اقتصادية ملموسة للدول التي تضع دوافع داخلية وخارجية أفضل لسلوك الشركات، مع التأكيد على أن من الأهمية بمكان إدراك أن دوافع حوكمة الشركات لا تقتصر فقط على القواعد والضغوط التنافسية التي تجبر الشركات على الامتثال، بل هناك الكثير من الدوافع الإيجابية التي تحفز الشركات على تطبيق حوكمة رشيدة للشركات بحثا عن الفوائد، مثل جذب الاستثمارات وخفض كلفة رأس المال.
مشاركة :