صفية الشحي يُطرح هذه الأيام موضوع الحيادية على منصة التدوين المصغر «تويتر»، ويتساءل طارح السؤال عن مدى جدية الفكرة وواقعيتها، فهل هناك قناة أو برنامج أو حتى مقدّم يمكن أن يكون حيادياً؟ هل نؤمن بقيمة الحيادية، وهل هي ضرورية لعملنا الإعلامي؟ في التعريف يعبّر هذا المصطلح عن المذهب أو النظام السياسي القائم على رفض الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية، وفي اللغة هو عدم الميل إلى طرف ما، عند الخصومة؛ إذن لا بد من معركة توضح الفكرة، وهي للمفارقة لا عادلة حتى في لحظة طرح الفكرة للنقاش بين مستخدمي حساب «تويتر»، ومن بينهم صحفيون ومقدمو برامج ومتابعون، جذبهم الجدل الساخن من دون فهم حقيقي لمعنى الحيادية. تؤكد مواثيق الشرف الإعلامية في كل مكان، قدسية الحقيقة وضرورة العدالة والمساواة في التعامل مع القضايا المطروحة، كما أنها ترفض استخدام الأداة الإعلامية لإثارة الخلافات بغرض إرضاء طرف على حساب آخر، والانحياز لصالح الجهات، أو الدول أو حتى الجمهور. ينتهي الجدل دائماً بتأكيد صعوبة تحقيق الحيادية، وخاصة في قضايا الصراع التي تمس أمن الأوطان أو سلامة المعتقد، أو حتى قيم المجتمع، التي يصنّفها الرأي العام كثوابت لا يمكن الاقتراب منها، كما أن نقاطاً كسياسات القنوات الإعلامية، ومقتضيات المصلحة العامة، وتوجهات المشرع، تمثّل معضلة عند محاولة مقدمي المحتوى الإعلامي الحفاظ على هامش من الحيادية في الطرح، الذي لا يتوقف عند حد المنطوق أو المكتوب؛ بل يتجاوزه للمرئي، فكيف يمكن لمقطع فيديو أو صورة، أو حتى خلفية صوتية أن تكون محايدة؟ وماذا عن تكنولوجيا الاتصال والتواصل الحديثة؟ لنأخذ مثلاً أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ أحدث ثوراتنا في المجال، كيف يمكن أن تتعامل هذه الأنظمة التي بدأ استخدامها لتحرير آلاف القصص الإخبارية، ليس في الاقتصاد وحده (تجربة أسوشيتيد برس)، وإنما حتى في الرياضة، فقد ضربت الصين أكبر مثل لإمكانية نجاح هذا التحدي من حيث الكم حين قدّم روبوت Xiaomingbot ٤٥٠ مادة خبرية على مدار خمسة عشر يوماً في أولمبياد البرازيل ٢٠١٨، وقد تشكل الخبر الواحد من ١٠٠ كلمة أو تزيد، ونشر بعد دقيقتين من إعلان النتائج، حاصداً خمسين ألف مشاهدة لحظة ظهوره، كما أن الروبوت تمكّن من إتباعه بمادة تحليلية مكونة من ٨٠٠ كلمة، بناء على الحدث ومعطياته. وفي نقد الفكرة من حيث مبادئ المهنة، فإن الأخبار من هذا النوع لا تزال تخلو من الحس الإنساني، إضافة إلى أنها يمكن أن تمارس هذا الدور بضرب من التحيز الذي قد يفرض لغة أحادية على المنشور، وهي لغة المطور ذاته وتحيزاته الخاصة ضد جماعات بعينها. وأثبتت دراسة أجرتها جامعة «ماساتشوستس» أن نظام «سيري» على سبيل المثال، يمكن أن يمارس تحيزاً تلقائياً تجاه بعض اللهجات أو اللكنات الثقيلة، فتكنولوجيا اللغة الطبيعية التي تستخدمها الأنظمة التي نعتمد عليها في جمع البيانات وتحليلها، قد تُظهر نوعاً من اللاحيادية عند انتقائها لتدوينات معينة، وتحليل ما يرد فيها من مصطلحات قد لا تكون مدرجة في النظام ذاته؛ مؤثّرة بذلك على النتائج، وبالتالي القرارات في مجالات عدة. في ضوء ما سبق، هل لا نزال بحاجة إلى مناقشة موضوع الحيادية، أم إنها خرافتنا المشروعة التي نحاول الدفاع عنها، على أمل أن نتمكن من إنقاذ إنسانيتنا من الصراعات، بفعل عدم عدالة البشر والخوارزميات. Safia.alshehi@gmail.com
مشاركة :