وانطفأت شمعة حياتنا

  • 11/2/2018
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

ولد في العام 1938، فقد أمه وهو لم يتجاوز السادسة من عمره، تغرب عن مدينته وعن أبيه وبيته طالباً للعلم ورافضاً للجهل، أكمل تعليمه بجد واجتهاد وخدم وطنه في صرح التعليم وفي مجالات أخرى، ناظل وعاش عصامياً معتمداً على نفسه بالرغم من كل الظروف التي أحاطت به، كان مؤرخاً ورحالة مميزاً كتب العديد من المؤلفات القيمة، تزوج وأنجب وبذل شبابه وصحته لتربية وتعليم أبنائه، تحلى بأفضل الخصال. رحيماً بالضعفاء، كريماً مع المحتاجين، عطوفاً على الصغار. عظيماً، متفائلاً، حنوناً، عذب الكلام لم أسمعه يوماً يغتاب أو يشتم أحداً، وإذا أساء له شخص عفا وصفح عنه. لم يعرفه صغير ولا كبير، بعيد ولا قريب إلا أحبه. كان يعطي بلا مقابل ويبذل بلا حدود. كرس نفسه في آخر عشر سنوات ليكون الأم والأب لأبنائه بعد رحيل أمهم، لم يخذلهم ولم يحزنهم أبداً. مرض في آخر ثلاث سنوات من عمره مرضاً عضالاً، وكتمه سراً في نفسه مع طبيبه، ولم يخبر أبناءه خوفاً عليهم وحباً فيهم، فلم يرد أن يثقلهم بهمه ولا أن يغرقهم بحزنه، وتحمل سره ومرضه صابراً وحده. كان محتسباً متفائلاً، حتى بدأ المرض يفتك بجسده واتضحت أعراضه رغماً عنه وأخبرهم. كانوا يريدون مواساته فيواسيهم، ويحزنون ويسعدهم بصبره وإيجابيته. أصبح لسان حالهم كقول الشاعر: أبي قد مرضْتَ فحلَّت هُمومي وحلَّ السُّهادُ ووخْزُ الظُّنون وحلَّ السقامُ بجسمي ورُوحي ومَن يستحقُّ سواكَ الشُّجون؟! في الغرفة التي كانت تحمل رقم 1721 عاش شهوراً مظلمة، وبين كل ما أحل به صبر صبراً عظيماً ويقيناً وإيماناً بربه، حتى أخذ الله أمانته وغطاه الثرى في يوم 30 - 10 - 2018 م. ذلك العظيم بكل فخر هو أبي الحبيب الغالي. نودعه بكل أسى وحرقة، وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراق حبيبنا والله لمحزونون. وعنونت حديثي عنه بشمعة حياتنا لأنه كان كالشمعة التي تحترق من أجلنا في شتى دروب حياتنا منذ أن ولدنا وحتى أن توفاه الله. نكبر ويظل يهتم بنا ويدعو لنا، يشجعنا. يفرحه ما يفرحنا، يحزنه ما يحزننا. أعطانا سنين من الراحة وعانى المرض وحده من أجلنا. والدي "وصفٌ" لم يوصف بعد ولم يستطع المثقفون ولا العلماء أن يعبروا عنه. هو إنسان نادر الوجود، وإذا شعرت بأنني أبالغ بقول ذلك عنه قرأت آراء الناس عنه وعرفت أنها ليست مبالغة بل حقيقة مؤكدة. يداه سخيتان في سبل الخير لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه. أشعر بأنني حظيت بأعلى الشهادات لأنني درست في مدرسته وترعرعت في ظله. أحبّنا كثيراً وأحببناه أضعافاً، ولن يموت هذا الحب في قلوبنا ما دامت تنبض، ومن حقه علينا أن نتحلى بأخلاقه وأن نكمل مسيرته وأن نثبت للناس حسن تربيته وأن نتكاتف يداً واحدة وكأنه بيننا، وأقصد بجسده أما روحه فهي مازالت كذلك. أسأل الله أن يجعل ما أصابه تكفيراً وتمحيصاً وتطهيراً، وأن يرفع درجاته وأن يجمعه بوالديه وبذريته مع النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، في أعلى درجات الفردوس، وأن يلهمنا الصبر والسلوان وأن يجبر كسر قلوبنا.

مشاركة :