يعز علي أن أكتب في رثاء أمي الغالية.. وما أقساها من كلمات سأخطها عن ألم فراقها ووداعها.. يصعب علي ان أكتب عن تلك الحنونة التي رحلت وتركتنا نصارع قسوة الحياة ومرارتها لوحدنا.. رحلت فانطفأ النور من أرجاء منزلنا واصبح بيتنا مظلما كئيبا بلا طعم او روح. رغم مرور أربعين يوما على رحيلها الا اننا مازلنا عاجزين عن التأقلم مع فراقها.. فجرحنا مازال طريا لم يبرؤ ودمعنا لم يجف بعد بل يزداد انهمارا يوما بعد آخر.. فصوتها، صورتها، حنانها، دفئها، طيفها يتراءى لنا في كل زاوية من زوايا المنزل.استرجع شريط الذكريات التي قضيتها مع امي.. فأتذكر آخر الصور واللحظات التي جمعتني بها في المستشفى حيث كنت أزورها وهي على سريرها الابيض الطاهر وأرى في عينيها دمعا يكاد يقطع نياط قلبي..أحاول ان أمسح تلك الدمعة دون ان تشعر ولو لوهلة بما أفعل وانا حابسة دموعي في مقلتي.. كنت اشعر بالسعادة وانا احاول ان اسير بأمي الحنون خطوات لتحرك جسمها من ذلك السرير وذلك القيد المغذي الذي قيد حركتها.. وكم كنت اسعد عندما اراها تمشي بضع خطوات بمساعدتي.. فكم تمنت ان تستعيد عافيتها سريعا لتعود لدفء العائلة وجدران المنزل الحانية ولكن المرض لم يمهلها كثيرا فقد اطفأ نورها ولا اعتراض على قضاء الله.ويلف بي الشريط الى الوراء قليلا لأتذكر والدتي التي احبتني كثيرا واغدقت على اولادي حبا وحنانا لامثيل له، فابنتي الكبيرة «ندى» هي ثمرة قلبها وحبها الاول حيث كنت اتركها في رعايتها عند ذهابي للعمل او عند سفري فربتها واعتنت بها حتى احبتها حبا كبيرا لدرجة ان ندى تفضل المبيت عند جدتها على المبيت معنا.اما توأماي «حسن وحسين» فهما حبها الجميل.. فما ان عرفت انني حاملا بهما فضلت ان تكون مفاجاة للجميع لحين اكتمال حملي ماعدا امي التي كنت لا أخفي عنها سرا فقد ارتأيت ان تشاركني فرحتي بهما منذ اليوم الاول لسماعي ذلك الخبر السعيد.. ورغم الصعاب والظروف التي جابهتني في رعايتهما الا ان امي كانت المعين الاول لي في السهر على تربيتهما، حتى اصبحت هي الوحيدة من ضمن افراد العائلة التي تستطيع معرفة اوجه الشبه والاختلاف بينهما،اما آخر العنقود «هدى» فقد كانت ترافقني في المبيت مع والدتي في ايامها الاخيرة.. لذلك فقد آلم اولادي فقد جدتهم ومازالوا يسألون عنها حتى اليوم.لقد مر عيد الأم هذا العام على غير العادة فلم نستعد له مثل كل الاعوام السابقة.. فهو عيد كئيب حزين ليس كمثل الاعياد التي كانت فيها أمي حاضرة.. نشتري لها الهدايا ونعد لها المفاجآت والاحتفالات..(فعادة الاعياد لاتخلف موعدها ولكن بموتك يا أمي أخلف العيد).أتذكر قبل أكثر من خمس سنوات عندما اعتادت احدى المشاركات في صفحة الملتقى على كتابة رثاء سنوي الى والدتها ودائما ما كانت تحرص على نشره في الجريدة في نفس تاريخ ذكرى وفاة والدتها.. فكنت استغرب واتساءل في نفسي أمازالت كل تلك السنوات تكتب عن امها؟ الى ان تيقنت اليوم ان فقد الام يترك أثرا كبيرا لا يزول وجرحا عميقا لا يندمل.تجف الاقلام وتعجز الكلمات في الحديث عن فضائلك يا امي، ولكن الشيء الوحيد الذي عرفته بعد رحيلك انك اغلى ما أملك.. حنانك.. عطفك لن يتكرر ابدا في حياتي.رحلت امي فرحل ذلك الوطن الشامخ.. رحل الجبل الشاهق رحل الحب والحنان والامان.. رحلت من علمتني معنى الاخلاص والوفاء.. فألف رحمة ونور عليك يا والدتي الحبيبة.
مشاركة :