علي جرادات في ظل توافر نصاب عددي، ومقاطعة فصائل أساسية في منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى حركتيْ «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، عقد المجلس المركزي، الأسبوع الماضي، جلسة اعتيادية، افتتحها الرئيس (أبو مازن) بكلمة، هاجمت المقاطعين، وشخصت واقع الحال، وحددت، في الجوهر، معالم ما اتخذه المجلس من قرارات، وكيفية وآليات وجهات تنفيذها. وإذا شئنا الوقوف على الأساسي والجوهري في نتائج هذا الاجتماع، فلنقل:أولاً، في التشخيص قال الرئيس أبو مازن:«إننا مقبلون على قرارات في غاية الأهمية والصعوبة، والمرحلة التي نمر بها من أخطر المراحل التي عاشها شعبنا الفلسطيني، وإننا أمام مرحلة تاريخية، فإما أن نكون أو لا نكون، وسوف نكون». وهذا، بلا شك، تشخيص دقيق لما يواجه الشعب الفلسطيني، (قضية وحقوقاً ونضالاً ورواية)، من تحديات ومخاطر، لا سابق لها، في أدناه، منذ انطلاق ثورته المعاصرة. هنا، لأن المرحلة على هذا القدر من الخطورة، ولأن مواجهتها بصورة جدية، شعبياً وسياسياً، تتطلب أولاً إنهاء انقسامات الصف الوطني المُدمرة، فقد كان لزاماً على المجلس المركزي أن يُلزم اللجنة التنفيذية بتطبيق قراريْ المجلس الوطني الخاصيْن ب«عقد مجلس وطني توحيدي في غضون عام»، وب«إنهاء إجراءات»السلطة العقابية بحق قطاع غزة«، آخذين بالحسبان أن الدور الأساسي في إحباط مؤامرة «صفقة القرن»، هو للشعب الفلسطيني، وأن دور مؤسساته وأحزابه وفصائله هو التعبئة والتنظيم والتأطير والتحشيد، وتقدم صفوف المواجهة، وغير ذلك، هو، في أدناه، خلطٌ يقدم النخب على الشعب، ويُضعفُ، ويُربك، ويُبعثر؛ بل ويحبط المواجهة الوطنية الدائرة مع هذه الصفقة، سيان: بوعي أو من دون وعي. ثانياً، إلى جانب تأكيد المجلس أن علاقة شعبنا ودولته مع «إسرائيل» السلطة القائمة بالاحتلال، علاقة قائمة على الصراع، وأن «الهدف المباشر لشعبنا يتمثل بإنهاء الاحتلال واستقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967»، قرر، (أي المجلس)، «إنهاء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال، «إسرائيل»، وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة «إسرائيل»... ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية، وبما فيها اتفاق باريس، لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز عملية للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة... ويُخول المجلس السيد الرئيس واللجنة التنفيذية متابعة وضمان تنفيذ ذلك». هنا، أصاب المجلس، بلا شك، حين أكد أن العلاقة القائمة مع «إسرائيل» علاقة صراع، وأن إقامة الدولة على حدود 67 مجرد هدف مباشر للنضال الوطني، وأصاب، أيضاً، حين قرر إنهاء التزامات المنظمة والسلطة الأمنية والاقتصادية تجاه اتفاقات أوسلو، والانتقال من الحكم الذاتي إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة. لكن السؤال الجوهري متعدد الأوجه، هنا، هو: أيهما الذي ينبغي التخلص منه أولاً تعاقد أوسلو السياسي، أم ما ترتب عليه من التزامات، بمعنى أليس إنهاء هذا التعاقد، وإعلان بسط سيادة الدولة على أرضها، ودعوة الشعب الفلسطيني للنضال، موحداً، هو المدخل الصحيح، لإنهاء التزامات أوسلو، ولانتزاع هذه الدولة ذات السيادة، كهدف مباشر؟ ثم هل المجلس المركزي هيئة استشارية للجنة التنفيذية حتى يكرر تخويلها، ( أي يعطيها صلاحياته)، متابعة وضمان تنفيذ قراراته، علماً أنها قرارات سبق وأن اتخذها المجلس الوطني، وأكدها «المركزي» في دورتيْن سابقتيْن؛ بل وإن جزءاً منها أُتخذ في اجتماعه عام 2015؟ هذا ناهيك عن أن اللجنة التنفيذية أحالت، (في هذه المرة)، مهمة متابعة وضمان تنفيذ قرارات «المركزي» إلى «لجنة وطنية عليا»، يرأسها أبومازن، وتضم ممثلين عن «التنفيذية» و«الحكومة» والأجهزة الأمنية، وشخصيات وطنية عامة، وعن أن هذه اللجنة قررت في اجتماع عقدته، يوم الثلاثاء الماضي، تنفيذ قرارات المركزي، إنما بتدرج، وبعد دراسة متأنية، وبعيداً عن الشعاراتية؛ كي لا تكون الخطوات بمثابة قفزات في الهواء. هنا تتضح المراوحة في المكان، ويتبدى التردد في اتخاذ قرار تاريخي بإنهاء تعاقد «أوسلو» السياسي، والتخلص من التزاماته كافة، وإنهاء الانقسام المُدمر، كخطوات لا مناص منها لمواجهة وإحباط «صفقة القرن» التصفوية. ali-jaradat@hotmail.com
مشاركة :