لا تزال أزمة مصرف ليبيا المركزي تراوح مكانها، بعد تشبّث مختلف أطراف المشهد الليبي بمواقفها وخصوصا المجلس الرئاسي بتعيين محافظ جديد للمصرف، مقابل رفض مجلس النواب لتلك الخطوة، وسط تحذيرات متواصلة من تداعياتها على الوضع في البلاد. مرّ شهر على قرار المجلس الرئاسي الليبي بإقالة الصديق الكبير من مصرف ليبيا المركزي وتعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين، دون تجاوز الأزمة الناتجة عن القرار، سواء بالتوصل إلى تحقيق توافق بين مجلسي النواب والدولة على مواجهة الموقف، أو بضمان إعادة تدفق النفط إلى الأسواق الخارجية من الحقول التي شهدت إغلاقا أدّى إلى شلل في آليات الإنتاج والتصدير. وأكد رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح على ضرورة أن يحسم مجلس الدولة موقفه في قضية المصرف المركزي حفاظا على المصلحة الليبية، ونبّه إلى أن أيّ محاولة لوقف الاتفاق على مشاريع التنمية وإعادة الإعمار ستضر بالمصلحة العامة وستواجه من قبلهم بالرفض، مؤكدا أن البعثة الأممية أمام اختبار حقيقي في قضية المصرف المركزي ، وهو أن تعلن عدم شرعية ما اتخذه المجلس الرئاسي لخروجه عن اختصاصه مخالفا الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، واغتصابه للسلطة وتغوله على اختصاصات السلطة التشريعية المنتخبة التي تمثل إرادة الليبيين. الصديق الكبير: المؤسسات الدولية أوقفت تعاملها مع ليبيا الصديق الكبير: المؤسسات الدولية أوقفت تعاملها مع ليبيا وأضاف صالح ”ما حاولنا تفاديه من ارتفاع سعر الصرف من خلال وضع الضريبة هدمه المجلس الرئاسي بقراراته الخاطئة المنعدمة والتي لا أثر قانونيا لها والدولار في طريقه لتجاوز الـ10 دينارت ما لم تحل أزمة المركزي، وإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي”، مردفا ”لقد بذلنا جهودا مضنية في توحيد المصرف والمحافظة عليه كمؤسسة مالية تهم الليبيين كما أن الضرورة تستوجب اتخاذ إجراءات لإنقاذ المركزي من سيطرة الجماعة التي استولت عليه بطريقة غير شرعية وأصبحت تهدر المال العام إرضاء للحكومة منتهية الولاية”. وحذّر صالح من أن القرار الخاطئ الذي أصدره المجلس الرئاسي في 19 أغسطس الماضي بخصوص إقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير سيأخذ وقتا طويلا ليتمكن المصرف من استعادة ثقة المؤسسات المالية الدولية. وفي الأثناء، أكد عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط أن أزمة المصرف المركزي هي من صنع حكومة عبدالحميد الدبيبة ولن تحل إلا بكفّ العبث الذي يمارسه المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة. وأضاف أن مفاوضات مصرف ليبيا المركزي لم تفشل بسبب خلاف بين مجلسي النواب والدولة بل بسبب تدخل المجلس الرئاسي الذي منح نفسه حق الفيتو على قرارات المجلسين بدعم من البعثة الأممية. جاء ذلك بعد أن حذر المحافظ المقال الصديق الكبير من أن “سيناريو النفط مقابل الغذاء قادم إلى ليبيا إذا طالت أزمة المصرف المركزي”، وقال في مقابلة تلفزيونية إن “المركزي لا يملك قانونا إطفاء الدين العام”، ردًا على إعلان إدارة المصرف المكلفة من الرئاسي إطفاء الدين العام المقيد في دفاترها، مشيرا إلى أن إطفاء الدين العام هو اختصاص السلطة التنفيذية والتشريعية وليس المصرف المركزي. زياد دغيم: من المستبعد أن تجازف المؤسسات الأميركية المالية بسمعتها ومستقبل الاحتياطات والودائع العالمية الدولارية من أجل شخص زياد دغيم: من المستبعد أن تجازف المؤسسات الأميركية المالية بسمعتها ومستقبل الاحتياطات والودائع العالمية الدولارية من أجل شخص وتابع أنه “على تواصل مستمر ومباشر مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري وبأنهما على إحاطة بشكل مستمر بشأن تطورات هذه الأزمة الخطيرة على البلاد”. مبرزا أن هناك 29 مؤسسة دولية رئيسية أوقفت تعاملها مع المصرف المركزي. وأوضح الكبير أن الأطراف الدولية غير مستعدة للتعامل مع جهة جلبها قرار معيب وهم على دراية بالاتفاق السياسي والوضع في ليبيا، لافتا إلى أن “المؤسسات الدولية أوقفت تعاملها مع ليبيا وإذا استمر الوضع الحالي يخشى من سيناريو النفط مقابل الغذاء”. ودعا الكبير المجلس الرئاسي إلى أن “يعود إلى رشده ويسحب القرار ويجنب البلاد تبعات هذه الأزمة”، وتابع أن “الوضع سوف يزداد سوءا إذا استمرت أزمة المصرف المركزي”. وبحسب مراقبين، فإن الوضع المالي في ليبيا قد يمر بظروف صعبة خلال الفترة الانتقالية القادمة، ولكن لن يصل الأمر إلى اعتماد مبدأ “النفط مقابل الغذاء”، نظرا إلى جملة من الاعتبارات منها أن قوى دولية وإقليمية وغربية بالأساس ساهمت في عملية الإطاحة بالكبير ودعّمت قرار المجلس الرئاسي، وهو ما يشير إلى أن لغة المصالح بين الأشخاص قد تتفوق في حالات كثيرة على لغة المصالح بين الدول. ويضيف المراقبون أن الكبير يدرك حقيقة ما يدور في كواليس السياسية في طرابلس، ولكنه أراد أن يبلّغ رسالته إلى الشارع الليبي الذي سيكون الخاسر الأكبر من استمرار أزمة المصرف وخاصة من حيث انهيار العملية المحلية في وجه العملات الأجنبية. وفي أول ردّ رسمي على موقف الكبير، قال مستشار المجلس الرئاسي زياد دغيم إن النفط مقابل الغذاء مصطلح إعلامي عربي لنظام يسمى حساب مستفيد يتطلب إقراره قرارا من مجلس الأمن على غرار العراق بعد حرب الخليج أو موافقة مؤسسات الدولة طوعا وهذا يستحيل في وجود محمد المنفي رئيسا للدولة. وأضاف دغيم في تصريحات صحفية “للأسف هذا المخطط مطروح منذ إغلاق النفط سنة 2020 ورفضناه وقتها وفي كل مرة يطرح وسنبقى رغم موافقة الكثير من قيادات المؤسسات الليبية عليه جهلاً واستسهالاً للحلول ولا شك أن المخطط لصالح دول إقليمية واستعمارية ولكن نراهن على حكمة ووطنية قيادة الجيش والإعمار في برقة وفزان لنقطع معا ومجددا الطريق على العملاء”، مؤكدا استبعاده أن تجازف المؤسسات الأميركية المالية بسمعتها ومستقبل الاحتياطات والودائع العالمية الدولارية من أجل شخص خاصة وأن الصين تسعى الآن لشراكة إستراتيجية مع طرابلس. نورالدين حبارات: استمرار أزمة المصرف المركزي سيزيد التضخم وسيعجز الدبيبة عن توفير أساسيات المواطن نورالدين حبارات: استمرار أزمة المصرف المركزي سيزيد التضخم وسيعجز الدبيبة عن توفير أساسيات المواطن ورأى الخبير الاقتصادي نورالدين حبارات أن استمرار أزمة المصرف المركزي وعدم الوصول إلى حل، سيزيد التضخم وسيعجز الدبيبة عن توفير أساسيات المواطن” ، وقال إن “استمرار الأزمة سيضع حكومة الدبيبة في مشكلة كبيرة، ولن تستطيع توفير أو دفع فاتورة الوقود التي تورد عبر المقايضة بمبيعات النفط، وكذلك في ما يخص مدفوعات الأدوية والغذاء والمستلزمات التعليمية والطبية ومواد الخام ومستلزمات التشغيل والإنتاج المتعلقة بقطاعات النفط والكهرباء والأمن والدفاع والنهر الصناعي وغيرها”، لافتا إلى أن “جميع الاحتياجات الأساسية للمواطنين تتطلب عملة أجنبية، لتوفيرها فالبلد يستورد قرابة 95 في المئة من احتياجاته ما يعني زيادة الضغط بشكل كبير على رصيد الاحتياطي بسبب هبوط إيرادات النفط مصدر البلاد الوحيد من العملات الأجنبية”. ويرجح متابعون للشأن الليبي أن يستمر الوضع على ما هو عليه خلال الأيام القادمة لاسيما أن أعداء الكبير اختاروا فترة حرجة للإطاحة به، وهي انشغال القوى الإقليمية بالوضع في غزة والسودان وانشغال العواصم الغربية وفي صدارتها واشنطن بالانتخابات الأميركية. ورأى تقرير للمركز الأوروبي للدراسات السياسية والإستراتيجية أن عودة الصديق الكبير لرئاسة مصرف ليبيا المركزي ستطيح برئيس حكومة الوحدة المؤقتة. ومع تواصل الأزمة التي تعيشها ليبيا تجددت المواجهة بين الأطراف السياسية الشهر الماضي عندما تحرك المجلس الرئاسي ورئاسة الوزراء في طرابلس للإطاحة بمحافظ المصرف المركزي المخضرم الصديق الكبير، مما دفع حكومة الشرق الليبي مع مجلس النواب والجيش الليبي إلى إعلان وقف إنتاج النفط. وأردف التقرير ”رغم حديث الأمم المتحدة عن تقدم في المحادثات بين الفصائل الليبية واتفاقها على تعيين محافظ للمصرف المركزي في غضون 30 يوماً، لا تزال الأزمة تؤثر على المشهد السياسي والمالي في البلاد. في ما أظهرت بيانات شركة كبلر للتحليلات الأسبوع الماضي، أن صادرات النفط الليبية انخفضت بنحو 81 في المئة بعد اندلاع الأزمة، مع إلغاء المؤسسة الوطنية للنفط توريد الخام”. وتابع التقرير أن حل الخلاف سيعزل الدبيبة عن المشهد، حيث أشار مراقبون، إلى أن الغرب والولايات المتحدة من مصلحتهما إعادة الإنتاج النفطي في ليبيا إلى حالته الطبيعية في المرتبة الأولى، ولو كان على حساب أحد الأطراف السياسية الموالين لهما، وأوضح أن الغرب يُجيد الاصطياد في المياه العكرة ومستنقع ليبيا ليس استثناءً بالنسبة إليهم، مشيرا إلى أن التحركات جميعها سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية عبر الأمم المتحدة تُفضي إلى إعادة محافظ المركزي المُقال إلى منصبه عبر التسوية المقبولة من قبل محور الشرق الليبي مقابل عزل رئيس الحكومة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة لضعف إدارته وارتكابه لأخطاء جسيمة في الفترة الأخيرة.
مشاركة :