رحم الله زميلي ورفيق دربي الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل

  • 11/5/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

حبيب عن الأحباب شطت به النوى وأي حبيب ما أتى دونه البعدُ بينما كنت منتظراً الإفادة عن خروج الزميل الحبيب عبدالله بن حمد الحقيل - أبو خالد - من العناية المركزة لأجل زيارته في مستشفى الملك فيصل التخصصي أو بمنزله، إذا برنين هاتف الدكتور الفاضل عبدالرحمن بن سليمان العريني - صديق الجميع - ثم أعقبه في الاتصال بي ابنه الدكتور مساعد ابن الزميل، وهو يكفكف عبراته حزناً على رحيل والده الذي انتقل إلى الدار الباقية، وذلك في الصباح الباكر من يوم الثلاثاء 21-2-1440هـ معزيين في حبيبنا زميل الدراسة الأستاذ الفاضل اللطيف كريم الشمائل عبدالله بن حمد الحقيل الذي انتقل إلى دار النعيم المقيم - برحمة الله ومغفرته - لعلمهما بمكانته في قلبي، وكان لنبأ رحيله العاجل وقع مؤلم جدًا هز كياني روعة وحزنًا عميقًا، وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 21-2-1440هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام، وقد حضر عدد كبير من المصلين، من علماء وأمراء وزملاء وجيران داعين المولى له بالمغفرة وطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق ليوم الحساب، ثم ووري جثمانه الطاهر في مقبرة (العوده) بمحافظة الدرعية - رحمه الله -، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور حال بنيه، وإخوته ومحبيه، وهم يهيلون التراب على جدثه، وبداخلهم ما به من آسى وحزن، ولوعة الفراق الأبدي - كان الله في عونهم -: كم راحل وليتُ عنه وميت رجعت يدي من تربه غبراء وكان أول لقاء بـ (أبو خالد) في فناء مبنى مدرسة دار التوحيد بالطائف هُو ومجموعة من الطلاب قُبيل بداية الدراسة في أول شهر محرم عام 1371هـ، فجرى التعارف والتآلف بيننا، وبين أولئك الشباب الذين توافدوا من بلدان وأرياف نجد للالتحاق بأول مدرسة علمية تُعنى بالمواد الشرعية واللغة العربية، والمواد الاجتماعية، الذي أمر بتأسيسها جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، فوكل على تأسيسها والإشراف عليها صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع مدير عام المعارف - آنذاك - رحمه الله رحمة واسعة -، ثم جلب لها نخبة مختارة من فطاحل علماء الأزهر، وكان مديرها عام 1371-1372هـ الشيخ عبدالمالك الطرابلسي - تغمده الله بواسع رحمته - فقويت أواصر المحبة معه ومع زملائنا، وكنا نقضي بعض الأنشطة الرياضية وقت فراغنا في ميادين (قروى) الملاصقة لجبل (أم الأدم) المطل على بساتين المثناة جنوباً..، والقيام برحلات في جوانب مدينة الطائف وفي بعض شعابها..، وقد نسمع شدو الحمائم فوق أغصانها: ألا يا حمام الأيك ما لك باكياً أفارقت خلا أم جفاك خليلُ فنجد في ذلك سلوة ومتعة تخفف عنا من وحشة الاغتراب عن أهلينا..، ولكن سرور الدنيا مهما طال لا يدوم أبدًا، فقد غاب عنا الآن معظم الزملاء - مُجاورين قوماً لا تزاور بينهم -..!، ولم يبق منا على قائمة الانتظار سوى العدد القليل يُساورهم الحزن على فقد أحبتهم وزملائهم: وكيف تلذّ طعم العيش نفسُ غدت أترابها تحت التراب وقال الآخر: الدهر لاءم بين أُلفتنا وكذاك فرق بيننا الدهر وقد ولد - رحمه الله - في عام 1357هـ بمدينة المجمعة، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية بها عام 1370هـ رحل مع عدد من أقرانه إلى الطائف للالتحاق بدار التوحيد عام 1371هـ، ثم انتقل إلى معهد الرياض العلمي في السنة الثالثة مواصلاً بكلية اللغة العربية حتى نال الشهادة العالية بها عام 1378هـ، ثم حصل على دبلوم التربية المقارن والتخطيط التربوي من معهد الأمم المتحدة في بيروت، ثم ابتعث إلى جامعة أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية للدراسة بها عام 1973م وحاز على درجة الماجستير وعلى دبلوم الدراسات العليا في الإدارة التربوية، وبعد ذلك عمل مدرساً وموجهاً تربوياً ومديراً لمدرسة اليمامة الثانوية بالرياض عام 1383هـ، وعمل أميناً عاماً للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والعلوم والفنون بوزارة المعارف، وأمضى أكثر من عشرين عاماً في مناصب قيادية، وأسهم في حركة التعريب في دولة الجزائر، حيث عمل مدرساً في كلية المعلمين بوهران عام 1386هـ، ثم انتدب مديرًا في لبنان عام 1389هـ، وشارك في مؤتمرات وندوات عدة في الداخل والخارج والبحوث والمحاضرات، ثم عمل أميناً عاماً لدارة الملك عبدالعزيز منذُ عام 1406هـ حتى تقاعد عام 1413هـ..، وكان محل احترام أبناء الملك عبدالعزيز ملوكًا وأمراء فضلاء، لما يتمتع به من إخلاص واهتمام بالغ بما تحتضنهُ من كتب ومخطوطات، ووثائق ذات أهمية، كما عمل عضوًا في هيئات عدة علمية وثقافية وتاريخية، وعضوًا في اللجنة العليا لموسوعة تاريخ المملكة..، و صدر له أكثر من 35 كتاباً، ولقد وهبه المولى حسن الخلق ولين الجانب، وحلو المنطق ولا سيما إذا علا منصات المنتديات الخطابية، والحوارات الأدبية والشعرية بأساليب ثقافية تشد السامعين، وكان التزاور والتواصل وتبادل الهدايا الرمزية.. مستمراً بيننا طيلة سبعة عقود من الزمن قضيناها في مسرة وهناء مرت على عجل: سبعون عاماً قد تولت كأنها حُلوم تقضت أو بروق خواطف ولقد جال بنظره في أنحاء الدنيا وبعض القارات وكبريات مدن العالم...، سياحة وعلمية، وأعمال رسمية..أثرت مخزونات ذاكراته اتساعاً، ودراية عن أحوال بعض الأمم وثقافاتهم ، التي زادت في جريان مداد قلمه حين ما يهم بالكتابة عن ذكرياته ومشاهداته في تلك البقاع والآفاق البعيدة: أطلّ على كل الآفاق حتى كأن الأرض في عينيه دارُ! ولئن غاب أبو خالد عن نواظرنا وبات تحت طيات الثرى، فإن ذكرياتنا الجميلة معه ومع من رحل مع زملائنا الأخيار، ومعلمينا الأفاضل ستظل باقية في خاطري وبين جوانحي مدى العمر، مُختتماً هذا المقال الوجيز عن جزء من ذكرياتنا مع الزميل الصديق عبدالله بهذين البيتين: خلفت في الدنيا بياناً خالداً وتركت أجيالاً من الأبناء وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل للدهر أنصاف وحسن جزاء تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم ذويه وإخوته وأخواته وأبناءه وبناته وحرمه أم راكان، وأسرة الحقيل كافة ومحبيه الصبر والسلوان. ** **

مشاركة :