في هذه الأيام تعيش الولايات المتحدة الأميركية حدثا مهما ألا وهو الانتخابات النصفية والتي عند ظهور هذا المقال تكون قد اكتملت وربما بدأت النتائج الأولية بالظهور. وفي وسط هذه الحمى الانتخابية يمطر الفضاء الرقمي تغريدات لا سيما وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو سيد التغريد من بين جميع الرؤساء دون منازع. فالرئيس هو الذي سنّ لنفسه خطا غير مسبوق في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة وهو أن ينعكس الموقف الرسمي الأميركي من خلال التغريدات. بل إن الرئيس بوصفه حالة فريدة في هذا الاستخدام لهذه الوسيلة الاتصالية كان يصفي حساباته مع خصومه السياسيين من خلال التغريدات. فالرئيس طالما سخر في تغريداته من سلفه باراك أوباما ومن منافسته هيلاري كلينتون، وتمادى في سخريته من امرأة ادّعت عليه بأنها كانت على علاقة جنسية معه وخسرت دعواها في المحاكم فخاطبها في إحدى تغريداته قائلا “اغربي عني يا وجه الحصان”. الرئيس يحشد عبر تغريداته أتباعا شرسين يسيطر عليهم ثالوث الكراهية والغضب والخوف وهي مشاعر ما انفك ترامب ينشرها لإثارة الرعب لدى الخصم. تلك المشاعر القاتمة وشديدة السلبية كانت تعج بها تغريدات الرئيس محذرا الأمة من الانقياد إلى الديمقراطيين بأنهم أهم أسباب الفقر وتدفق المهاجرين الذين في نظر ترامب ليسوا إلا ثلة من المجرمين. كل مشاكل الشعب الأميركي هي بسبب الديمقراطيين، ذلك ما يشيعه الرئيس عبر تغريداته ويذود عن أفكاره تلك من دون أدنى تردد يذكر. نعم إن الرئيس ترامب غرّد حقا خارج سرب الرؤساء الأميركان السابقين وصارت العديد من مواقفه بمثابة إنعاش للنزعات الشعبوية وحتى الشوفينية. في المقابل يغرد المغردون العرب خارج السرب وخارج ما هو معتاد، فلو أجرت تويتر استطلاعا بسيطا أو طرحت فكرة أو موضوعا ساخنا سيتبارى القراء العرب بالتغريد كل باتجاه ثم لا تلبث لغة الحوار أن تنزل بالتدريج إلى مستوى متدن وخارج عن السيطرة. هنالك من هو متفرغ للاختلاف والمناكفة، فكل ما يقال لن يقتنع به ولن يسمعه، عقله منغلق على قضية واحدة وتقديس شخص واحد بأي ثمن كان. وبعد الاختلاف والمناكفة تأتي مرحلة الهجوم التي تتميز بالتغريد الذي يشبه نعيب الغربان وليس غناء العنادل. هنا سوف تتكشف السليقة والقدرة الشائنة لصرع الخصوم بالتغريد المليء بالسلبية. هنالك صحافي مثلا كل مهمته هي نقل مقتطفات من الصحافة العربية والأجنبية ونشرها في شكل تغريدات. هنالك من يكره في هذا الصحافي هذه الاستمرارية، وهنالك من يعيب عليه أنه ينقل الحقائق كما هي ولماذا لا يحرّفها من أجل مصلحة شعيط ومعيط. ولهذا يشتمونه ويتهمونه بشتى اتهامات الخيانة وأنه لا يكتب عن بلده الأم ثم لا تلبث أن تتطور الأمور إلى التغريد المشين الخارج عن أي ضوابط أخلاقية أو اجتماعية، بما فيها الطعن في الكرامة والإسراف في الاحتقار والتعالي الفارغ. هذا الواقع الذي صار ينتج صورا مختلطة للكيفية التي تستخدم فيها هذه المنصة التفاعلية. في المقابل ومن خلال مثال آخر، تتألق الكاتبة ج.ك. رولينك، مبدعة سلسلة هاري بوتر الشهيرة في الرد على هذه الفوضى، بالأمس اتهمها احد المتطرفين بأنها لا تتعاطف مع قضايا شعبها، من البريطانيين الأقحاح وخاصة مع انتشار خبر عصابة أغلب أفرادها من المهاجرين الأسيويين الذين اغتصبوا مراهقات بريطانيات وتمت مقاضاتهم وإنزال العقاب بهم. ردا على ذلك الاتهام المجحف أمضت رولينك الظهيرة كلها بصحبة عائلة أسيوية من المهاجرين وعرضت الصور معهم. تلك ليست إلا نماذج للمغردين خارج السرب من مستويات شتى لا تعطي انطباعا أبعد من حقيقة أن التغريد يصبح عبثيا وفوقيا في الكثير من الأحيان.
مشاركة :